شجرة الموقع

السبت، يونيو 04، 2022

النماذج : المصفوفة التي تحكم العالم - العلة الماهوية الجزء الأول

 

النماذج : المصفوفة التي تحكم العالم :

الماهية والفيزياء والوجود

كل مكان في فضاء الكون ، يسمح بوجود الكائن أو الفايروس فيه بشكل سكوني ، وحينما يبدأ التآثر بينه وبين طاقة موجهة نحوه ، يبدأ بالظهور ... وقبلها كان الفايروس موجوداً ولا يحتاج إلى أصل بيولوجي ينتسبُ له.

فكر بجهاز الجوال خاصتك ، وبآلة الخياطة مثلاً ... عندما تقوم بتفكيكها إلى قطعها الأولية ، وتفكيك تلك القطع إلى المركبات الكيميائية والذرات التي تكونها. تماماً كمكعب مكون من 27 مكعباً أصغر منه منتشرة في 3 خانات في كل عمود من 3 أعمدة في كل صف من ثلاثة صفوف :



إن هذا المكعب لم يخلقه البشر ، ولم تخلقه أنت حينما صنعته ، كل ما في الأمر أنك جمعت المكعبات المكونة له في شكل هندسي مكعبي ، وعندما تفكر من أين جاء هذا الشكل ؟ لقد فعلت ذلك في الفضاء المحيط بعوامل جسمك ويديك ، هذا الفضاء يحتوي هذا الاحتمال ، وأنت جسدت الاحتمال حينما جمعت المكونات التي يقتضيها تجسد الاحتمال.

قوانين الفضاء الفيزيائية نفسها تسمح بمثل هذا الترابط الكُتلي ، الذي يشغر هذا النطاق الفضائي ، وبنفس الوقت ، وبغض النظر عن وجود كتلة أو عدمها ، بإمكانك تصور مثل هذا المكعب وهو موجود في أي مكان وأي زمان عبر الكون ، وكذلك بإمكانك تصور عدد لانهائي من الأحجام والألوان وهي صفات متغيرة تلحق بماهية المكعب ... أما المكعب نفسه بوجوده الهندسي فهو ثابتٌ عبر الفضاء.

حتى إذا لم تكن هنالك كُتلة تشغر الحيز الفراغي أمامك ، بإمكانك التعرف إلى أن وجود المكعب في حال تجمع أجزاءه وتركبها بالطريقة المناسبة هو وجود ممكن ، والإمكان هنا يعني أنه احتمال قابل للتحقق عندما تتوفر العلل والمقتضيات المناسبة ، ولن تحتاج إلى برهان تجريبي لإثبات إمكان وجود المكعب في الفضاء أمامك ، يكفي تصوره أو تخيله.

بمعنىً آخر ، وجود هذا المكعب أو أي شيء آخر في مجال الإمكان محقق بغض النظر عن رأي الفيزياء ، لأن الفضاء الذي يحتويه هو فضاء مجرد عن المادة ، يسمى بفضاء التجريد ، والعالم المادي بكل قوانين الفيزياء التي يحتويها هو احتمال واحد يشغر ذلك الفضاء ، من ضمن احتمالات لانهائية عن عوالم فيزيائية وغير فيزيائية أُخرى.

حينما يتم وضع خطة عسكرية أو اقتصادية ، يتم تمثيل الأحداث في نطاق فضاء افتراضي ، وكلمة افتراضي غير دقيقة هنا لأنه قابل فعلاً للتحقق التام إذا تجمعت مقتضياته وشروطه ، إنه نفس الفضاء الذي تحدث فيه المعركة ومسيرة الشركة والدولة ، ولكن اختلاف التطابق يعود لاختلاف تركيبة المكونات وتسلسلها.

الكشف عن فضاء التجريد

 وجود النموذج في عالم المادة لا يمكن إثباته دون اختبار مباشر للنطاق المادي الممثل لذلك النموذج ، وهذا الاختبار يسمى بالمعرفة المادية الحسية. ولكن وجود النموذج في فضاء التجريد ( المجرد عن المادة ) لا يمكن اختباره بالطرق المادية ، لأن الموجودات المادية تحكي عن تقييد مجال النموذج في مصاديق ، كل منها فرد وحيد في نطاق مادي محدد بإحداثيات محلية ( هنا والآن في هذا الموقع المحلي ).

يمكن اختبار الوجود الماهوي للنموذج بطريقة واحدة وهي (الإدراك  التجريدي ) ودون ذلك لا مجال لمعرفة النموذج ، حتى أن الشاغر المادي دون نموذج ماهوي ينتسب له فإنه يفقد معناه تماماً ، فإذا انتزعت مادة القلم من نموذج القلم لا يعود قلماً ، وحتى أن القلم في واقعك المحلي هو أيضاً نموذج ، لكنه يصدق على حالة منفردة حيث تم تقييد النموذج الأصلي بقيد المحل الذي يشغره ، فهو نوع من النماذج أيضاً ( المادة هي نموذج مكثف الوجود ومقيد الحدود ).

يجب أن تعلم أن النموذج نفسه موجود سواءً رصدته أم لم ترصده في عالم المادة ، وإن رصدك له مادياً يعني تقييد الطاقة التي تتفاعل معها إدراكياً بالنموذج الذي ترصده مادياً.

الفضاء التجريدي يحمل المكعب في جوفه ، ولكن تجسيد المكعب مادياً معتمدٌ على مقدار اهتمامك والطاقة التي تبذلها لأجل ذلك ومدى فهمك للنموذج الذي تريد تجسيده وما هي الأدوات والنماذج التي ستستخدمها من أجل عملية التجسيد. الوجود المجرد للمكعب يمكن اختباره بإدراك ماهيته الواقعة في فضاء التجريد ، وهذه العملية تسمى بالتعقل وتسمى النماذج بالمعقولات عند الحديث عنها من حيث معرفة الإنسان بها ، مقابل المحسوسات المادية.

أي نموذج تتخيله أو تتصوره موجود في فضاء التجريد ، ولكن وجوده المادي يستلزمُ مقتضيات إضافية لكونه مجرداً ، ولذلك ليس كل ما تتخيله أو تتصوره موجود في عالم المادة لأنه ليس كل ما تتخيله أو تتصوره مناسب لنموذج هذا العالم الذي أنت فيه الآن وهو جزء متناهي الصغر من فضاء التجريد ، فما تريده أن يتحقق ضمن عالمك يجب أن يصدق عليه نموذج عالمك وليس الأمر كذلك بالنسبة لما يفوق عالمك ويتخطى إحداثياته نوعياً.

ربما يعترض البعض على تقديم نموذج مجرد عن المادة في إطار علمي ، ولكننا في النهاية لا نناقش موضوعاً مادياً بحتاً ، إنما نناقش تكوين الكينونة الزمنية للإنسان وهي أمر يتجاوز حدود المادة ، ولا يوجد تلازم بين هذا الأمر وبين النموذج المادي للعالم ، وافتراض أنه محصور في المادة هو نوع من العقدية المتطرفة في مجال علمي محايد ، وقد يقول البعض كيف يمكن التحقق التجريبي من شيء غير مادي ، وهنا أجيب أن التجربة أصلاً لا تثبت ولا تنفي أي شيء ، إنما هي توفر طريقة لإدراك النموذج المادي إدراكاً عقلياً وتجريدياً وهناك يحصل التحقق والحكم ، فإنك لا ترى الجينات في كل لحظة تتحدث بها عنها ( على سبيل المثال ). وهذا هو السبب في تقديم البرهان الفينومينولوجي على البراهين التجريبية المختبرية في علوم الكينياء.

بقي شيء واحد لم نناقش موضوعه بعد ، ما هي الإحداثيات التي ينتمي إليها النموذج التجريدي اللامحلي ؟

الأبعاد التجريدية وعلاقاتها النسبية وطرق قياسها من هذا المجال المحلي :

في مثال المُكعب ، كان القالب الأكبر هو الشكل الهندسي المكعبي ، والقالب الجزئي الأصغر هو المكعب المحلي الذي ترصده في موقع محدد ضمن المحل ... إن قالب المكعب الذي ليس مقيداً بإحداثيات محلية يخضع لنوع آخر من الإحداثيات يمكن أن نسميه بـ"إحداثيات هندسية مجردة" أو رياضيات بحتة. حيث يكون البعد الثالث ذو قيمة رياضية تمثلها مجموعة الأعداد الكلية وكافة الدوال والمتغيرات الرياضية ، بينما يحتفظُ ببعدين فقط ، وهذا يجعل تحديد موقعه في عالم ثلاثي الأبعاد مستحيلاً ، لأنه منسوج بتكوين كل كائنة من كائنات البعد الثالث ، ولذلك لا يمكن تمثيله على ورقة ومخطط من هذا العالم ، لأنه يفقد انتماءه المكاني بفقدان تحديد محل ضمن المكان، إن هذا يجعل من المهم التساؤل حول ما تعنيه الأبعاد حقاً ، فالصورة النمطية للأبعاد تصورها وكأنها مجموعة خطوط متلاقية ، وهذه في الحقيقة مجرد مصاديق للأبعاد ، لأن البُعد هو قطر لفضاء التجريد يحتوي نوعاً معيناً من الاحتمالات ، إذا توفرت ثلاثة أبعاد بنفس الوقت فسيكون الاحتمال الذي يشغرها ثلاثي الأبعاد ، أي له وجود محدد بثلاث آفاق إحداثية.

إذا كان يوجد في أفق ما من هذه الآفاق الثلاثة بشكلٍ نسبي ، فإنه سيشغل محلاً محدداً من ذلك الأفق ، بينما يكون ممتداً عبر كامل الأفقين الآخرين ، التواجد محلياً ونسبياً في ثلاثة آفاق يولد المكان الذي نعرفه ، والتفاعل والتآثر بين الكائنات المحلية يجعلنا نرصد الزمن الذي نحيا به في عالم رباعي الأبعاد ( ثلاثة آفاق للوجود وأفق للتفاعل والعلاقات التآثرية مع الاحتفاظ بقيم نسبية ).

المكعب اللامحلي ينتشر في كامل الفضاء المحلي ولذلك يكون بُعدٌ واحدٌ على الأقل محرر القيمة بالنسبة له ، ولأنه مُكعب فسيحتفظ بتحديد قيمتين في البعدين الأول والثاني : قيمة النسبة الهندسية بين الطول والعرض والعُمق لا تعطي قيمة المكعب الفضائية وموقعه عبر الأبعاد ، لأنه حتى وعند تحديدها يبقى مجرداً وصادقاً في جميع الزمكان المحلي، وهذا يعني أن الأبعاد ليست هندسية بطبيعتها ( ليست مجالات لكميات متصلة أو فضاءات تحتوي إحداثيات ذات قيمة رياضية ) لأنها تترجم بتلك الطريقة حين إسقاطها على واقعنا المحلي ، الذي يحتاج إلى تمثيلها بيانياً بالورقة والقلم ومعالج الرسوميات، وخارج هذا الإسقاط، وحين إهمال البُعد الثالث ، لا يوجد قيم رياضية يمكنها توصيف البعدين الآخرين ولا يمكن إدراكهما على ذلك النحو ، ولكن يمكن إدراكهما دون تمثيل بصري محدد ...

إن وجود البعد الثالث يسمح بتقييد فضاء البعدين الآخرين تجريدياً بمجال فضاء البعد الثالث ، وهذا يعني شيئين : إن البعد الثالث هو الذي يجعل الكائنات محلية ومحددة بثلاث إحداثيات ، وإن البعد بشكل عام هو قيدٌ على الموجود.

أما عندما ترسم بالقلم دائرة وتقول عنها أنها ثنائية الأبعاد ولذلك عالمك أكثرُ رحابة من عالمها المحدود ، فهذا لأنك تعاملت معها على أنها ثلاثية الأبعاد حين احتسابك للبعد الثالث بالقيمة "صِفر" عندما قمت بنسب الدائرة إلى حجرتك أو إلى الواقع الذي رسمتها فيه ، عالم ثلاثي الأبعاد ، لا يمكن أن يقع فيه كائنٌ ثنائي الأبعاد ، لأن الأول مقيد والثاني مُطلق من هذا القيد.

فالبُعدين الآخرين للمكعب النموذجي هما بُعدان تجريديان ، الكائن المحدد بهما يصدق على كل النطاق في كل بعد من الأبعاد الأدنى منهما والتي هي قيود عليهما.

بما أن البعد الثالث هو المحل ، فإن المكعب يبقى مكعباً ذو ثلاثة أقطار ، والفرق الوحيد أنه غير مرتسم بالمحل ، علاقة القطع الهندسية المشكلة للمكعب هي علاقة بين كائنات مجردة لا تقيدها المادة المحلية ، وهذه العلاقة الموحدة لعناصر المكعب هي موجودة بالكامل في بُعده الثاني فقط ، حين تُدرك أن البعد ليس هو الامتداد الهندسي، وأن كل تركيب هندسي مكون من امتدادات تناسبية هو ثنائي الأبعاد ، ويصبحُ ثلاثياً عندما تحاول تمثيله في عالمك المحلي ، فيتحول النموذج الفضائي إلى نموذج جديد لا علاقة له بالقديم ، وهو نوع من "الانبثاق" وليس نوعاً من التركيب ، فالتركيب يحدث ضمن نفس مستوى الإحداثيات ، أما الانبثاق فسيقط مستوى إحداثيات ضمن مستوىً آخر لتتحول دلالات الإحداثيات الأولى إلى شكل إحداثي مناسب للمستوى الجديد.

هذا الأمر معروف جيداً ومنذ القدم في علم الخرائط ، حين يتم مثلاً إسقاط القبة السماوية على جهاز معدني قادر على احتساب مئات المهمات الفلكية مثل الاسطرلاب وكرة العالم والساعة الفلكية.

التشابك الزمني والنماذج :

يعيد هذا الموضوع فكرة "التشابك الزمني" إلى الذاكرة... حين إطلاق فوتون ضوئي نحو الفضاء لحظة انشطاره إلى فوتونين ، فإن كل فوتون سوف يتخذ سلوكاً مناظراً لسلوك الفوتون الآخر ومكملاً له ، وكأنهما كانا شيئاً واحداً وانفصل إلى نصفيه ، هذا الأمر معتاد الوجود في الفيزياء ويسمى بالتشابك الكمومي.

ولكن حتى ولو تم إنهاء الفوتون أ والإبقاء على ب ، ثم اشتبك ب مع فوتون آخر وهو س ونتج عن ذلك تحول ب إلى ف وارتباط مساره الزمني ب س ، فإن الفوتون س سوف يتحول إلى مسار زمني مطابق لمسار أ الافتراضي ، بمعنىً آخر ف"سيملأ نموذجه" وبذلك ، بقيت المعلومات الإرشادية الخاصة بالفوتون أ وانتقلت إلى الفوتون س ، واتخذ س بذلك نفس نموذج أ بالضبط ، وهكذا تجلى نموذج أ الزمكاني بمجرد أن عبرت فيه طاقة  مرة أخرى ... كما أن هذا النموذج ممتد على كافة أرجاء الفضاء ، ولا ينتظر إلا طاقة تحمل إرشاداً لتشغيله.

الفايروسات تعمل بنفس الطريقة ، إنها ليست موجودة في المختبرات أو في اللقاحات ، إنها موجودة في كامل الفضاء المحلي ، لأنها بالأصل ليست محلية ، ولكنها تظهر محلياً للراصد المحلي.

هذا الموضوع كان يشكل خطراً شديداً على نظرة المرء للواقع ، فهو يعني أن الأشياء لا تُخلق في هذا المستوى الإحداثي من الوجود ، ولا حاجة لتفسير انتواعها بإحالته إلى الرؤية التراكمية ضمن المحل ، وقوانين التطور ليست مأسورة في المحليات ، وقوانين الانتخاب الطبيعي لا تسري فقط على عالم المحليات.

إن العالم المحلي يغدو إذن مجرد أثر شبحي للحقيقة الكامنة وراءه.

الأربعاء، مايو 25، 2022

أصول البشر لا تتعلق بالجينيوم والشمبانزي لا يمت لهم بصلة | حقائق صادمة من علم الجينات

1.    كامل مقدار الجينات والنيوكليوتيدات \ مسائل علم الأنساب :

 

لتعلم أن الجين الواحد يتكون من 1000 زوج نيوكليوتيدي كمعدل الوسط ، باستثناء بعض الجينات القليلة الأكبر بكثير أو الأصغر بكثير ، من بينها الجين الأطول الخاص بوظائف العضلات وهو بطول 2200000 زوج نيوكليوتيدي ، وقلة من جينات أخرى تزيد أطوالها عن العشرة آلاف نيوكليوتيد وتصل بضعة منها إلى أكثر من مئة ألف ،

بما أن الجينات ذات الترميز البروتيني لدى البشر تقدر بحوال 25 ألف جين ( لاحقاً 19200 ) ، فسيكون الناتج :

1000*25000=25000000 (25 Mbp)

وهو عدد الأزواج النيوكليوتيدية التي تؤثر مباشرة على التكوين الجسدي، في المقابل سيكون هنالك احتساب للجينات التي تحظى بكميات هائلة من تلك الأزواج كعوامل إضافية ، يمكن تقدير كل شيء بحوالي الضعف ، أي هنالك 50 Mbp رغم أن بعض التقديرات تحاول رفعه إلى 100 Mbp.

بينما يكون مقدار الجينيوم المعلوماتي أكبر بكثير :

3400000000 bp = 3400 Mbp = 3.4 Gbp

وذلك يعني أن نسبة الجينيوم الذي يرمز البروتين تساوي أقل من 3% من نسبة الجينيوم الكلي وقد تصل إلى1.5% أو أقل (في الحقيقة وصل تقديرها المعتمد الأخير إلى أقل من 1%).

ذلك هو عدد القواعد الوراثية الكلي في الحمض النووي ، وتلك أنسبة توزيعها الصحيحة ، وأما عدد النيوكليوتيدات داخل وخارج النواة فهو غير ذلك ، فهناك أيضاً الحمض النووي المرسال  RNAوالجين النووي القافز ، وهنالك كميات مضاعفة منها في محيط الخلية ترتبط بالفوسفات وتنتجها أشياء أخرى داخل الخلية كنوع من الوقود المختزن ، الذي لا يحتاج لأكثر من حرقه أو تكسير روابطه لتتحرر الطاقة. وتبلغ الكمية الكاملة حوالي مئات النيوكليوتيدات ، وذلك يشمل الجينات النواة ( المرمزة بروتينياً والتي لا ترميز بروتيني لها ) و كذلك التي تطوف حول نواة الخلية.

كيف تم احتساب عدد قواعد النيوكليوتيد ؟ الأمر بسيط وليس معقداً ، ففي مقدار معين من الطول الذي يستطيع المجهر رصده ، يمكن احتساب كمية تلك الجزيئات وفق ما تقوم به من تفاعلات وتوزيع تلك الكميات على أبعاد العينة المختبرة ، والنتيجة التي ستصل إليها أن كل 10 يوكليوتيدات متصلة يكون طولها قرابة 34 أنجُستروم ( ما يعادل 34 جزءً من أصل عشرة مليارات من المتر أو :  ) فيكون مليار زوج نيوكليوتيد مساوياً لثلث المتر تقريباً وباحتساب عوامل معينة وبما أن طول الشريط النووي للخلية البيولوجية متران ( تقريباً ) وفق معادلات توزيع المقادير الكيميائية للجزيئات المعنية ، فسيكون عدد الأزواج الجينية مقارباً 3.3 مليار.

ليست كل الكائنات كذلك ، ففي الذرة هناك ما يقارب 100 مليار نيوكليوتيد قاعدي ضمن نواة الخلية  100 Gbpبينما في بعض الجرذان هنالك 8 مليارات (8.5 Gbp) وفي قنفذ البحر هنالك 32 Gbp وقد وصلت بعض الكائنات الحية إلى  228 Gbpمن الحمض النووي وهو ما يعادل الحمض النووي البشري أضعاف المرات ، لو كان هذا الحمض النووي متوارثاً من الكائنات الأخرى فلا يجدر به أن يظهر بهذه الطريقة غير الطبوقة.

تكون المسألة أشد ما يكون لها من الوضوح في كائن بدائي جداً  ضمن سلسلة التطور وهو الأميبا دوبيوم Amoeba Dubium والذي يصل مقدار معلوماته الوراثية وفق بعض التقديرات إلى 670 مليار زوجاً نووياً قاعدياً (670 Gbp) وهي تعادل تقريباً مئتي ضعف الحمض النووي للإنسان، رغم بعض الشكوك في دقة الرقم ، ولكنه بالتأكيد يشير إلى زيادة فائقة. ذلك يشير بدقة إلى نتيجتين لابد منهما :

·        أولاً : لا علاقة لطول الحمض النووي بتراكم المعلومات عبر الأجيال التطورية.

·        ثانياً : طول الحمض النووي لا يزيد من مدى التطور الحيوي للكائن ، بل على العكس ، كلما كان الحمض النووي أقصر كان الكائن الحي أكثر تطوراً أو ارتقاءً في وظائفه الحيوية نفسياً وجسدياً ، ويبدو وكأن هذه النيوكليوتيدات ولسبب ما ، تعمل عمل القيود على الكائن ، التي تربطه بمحيطه وتمنعه من اختراقه نحو مستويات أعلى من سلم الارتقاء.

إنها لا تبدو ميزة على الإطلاق ، أن تمتلك حمضاً نووياً كبيراً وهائل الكمية ، بينما تعجز عن امتلاك أبسط متطلبات التفاعل الحيوي الذي يرضي النفس.

2.    التشابه بين الشمبانزي والإنسان :

1)     التحقيق في مسألة التشابه ...

تروج كثيراً تلك العبارة "الشمبانزي يتشابه مع الإنسان بنسبة 98% وأحياناً 99%" ... أغلب من يكررها هم في حقيقة الأمر ، لا يدرون ما يفعلون.

والأغرب أن أحداً من أكثر الناس أو أكثر المختصين الذين يرددونها ويتأثرون بها لم يكلف نفسه عناء البحث.

فهذه الأقوال ليست علماً دقيقاً ، وهي أقرب لنوع من الأدب الإعلامي الشعبي الذي يحجب الحقيقة بإعادة تأويل المعطيات.

كما علمت سابقاً يتكون الشريط الوراثي لدى الإنسان من 3 مليار زوج نيوكليوتيدي على الأقل ، ولكن المسوح الالكترونية التي جرت في التسعينات تمت على شريط قدره 1 مليون نيوكليوتيد فقط، وقد حددت المناطق الأكثر وضوحاً للشريط الوراثي بارتباطها بتعبير بروتيني وبذلك تم تقليص عينة المقارنة لحدود 25000 جين.

اختلاف بنسبة 0.1% في التطابق الجيني للترميز البروتيني بين فردين من أفراد الكائنات الحية، يعني الاختلاف في أقل من 50 Kbp أَي خمسون ألف زوج نيوكليوتيدي ، هذا الرقم كبير بالنسبة للخبرات البشرية المحدودة ، ولكنه لا يكفي للتحقيق في الأنساب ، ولا يكفي في التحقيق الجنائي ، لذلك ، يلجأ المعمل الجنائي إلى فحص قطع من كامل الجينيوم البشري ، وتعتمد البصمة الجينية على عينات من الجينيوم اللاكودي تماماً كما تعتمد الجينيوم الكودي ، بهذه الطريقة ، لا يكون التشابه الجيني الحقيقي بين إنسان وآخر 99.9% ، أحياناً قد يكون أقل من ذلك بكثير. وحتى فرق 0.1% يختلف نوعياً حين يحسب على طول الجينيوم الكامل ، وليس فقط على الجينات التي ترمز البروتين ، وكذلك الأمر مع الشمبانزي.

بالنسبة للقرد والشمبانزي ، لم يتم قياس التشابه الشهير بنسبة 98% بين الناس والقردة بنفس الطريقة التي تقاس بها الأنساب الإنسانية ضمن النوع البشري. لم يتم اعتماد كامل الجينيوم البشري والقردي ، لقد تم اللجوء إلى 25000 جين مبدئياً فقط، وهي نسبة غير معتمدة ولا تعطي أهمية حقيقية للأصول المزعومة. وحينما تم تكبير النسبة لتصبح 40000 صار الفرق 11-14% والتشابه 86-89%.

تم تعيين الجينات المرتبطة بالبروتينات فيما بعد لتكون ذات وظيفة ، وبقية الجينات ... حسناً، لنقل أنها "خُردة" هكذا صرحوا ، لأن الجسم مؤلف من بنيان بروتيني، فلابد إذن أن ما لا يتعلق بالبروتين بشكل واضح أمام المجهر، لا يتعلق بالجسد، وبالتالي، لا يتعلق بالإنسان من حيث وظيفيته.

ولذلك، يلجأ المحققون والمعمليون إلى تحليل ما يسمى الـ"Junk DNA" ، حيث تتلاشى التشابهات الكبيرة بين الناس، وتظهر السلالات بشكل صحيح أكثر، ومع ذلك، يتم إهمال هذه الجين اللاوظيفي – حد زعم الدارونية الحديثة – عندما تتم مقارنات شجيرات الأنواع.

من المهم ذكره أيضاً ، أن الشمبانزي لا يتشابه مع الإنسان بتلك الكمية الكبيرة من الجينيوم ذو الترميز البروتيني ( المقدرة ب98% أو 99% ) ، فهذه أيضاً مجرد إحصائية محددة أجريت في زمن محدد، وليست حقيقة مطلقة. هنالك إحصائيات أرجعت النسبة إلى أقل من ذلك ، بعضها إلى 96% وبعضها إلى 90% وبعضها 83-89% وهي النسبة الأكثر دقة حتى الآن، وحتى أنها وصلت إلى 70% في بعض الأحيان ، وذلك بحسب خوارزميات البرنامج المستخدم للمقارنة التفصيلية ، والطريقة المتبعة في المقارنات ، وأنماط التعقيد الجيني التي يتم أخذها بعين اعتبار في المقارنة.

وأغلب الإحصائيات الجديدة المخالفة للصورة الإعلامية العريضة، جاءت بعد تلك الصورة وبأجهزة وطرق أحدث في الظهور ، كحُكم محايد وموضوعي حقاً ، لا أجد أي تبرير منطقي لاستخدام إحصائية معينة ، وقديمة ، وترك بقية الإحصائيات الموثقة والتي قام بها رجال علم أيضاً ، فقط لأن الإعلام يدعم لسبب مجهول تلك الإحصائية الشهيرة ويغض النظر عن كافة النتائج المعارضة لها.

وأخيراً وحتى وإن تحقق التشابه المزعوم تماماً ، فذلك شيء ، والأصول الجينية شيء آخر ، لأن الأصل الجيني لا يعتمد فقط على البروتين المرمز والجينات التي تحكمه فعلى سبيل المثال، الفأر المخبري يتشابه مع الإنسان بنسبة 99% في الجينيوم الوظيفي وهي أكبر من نسبة التشابه مع جينيوم الشمبانزي قطعاً ، الموزة أيضاً بنسبة 60% ، الإسفنجة بنسبة 70%..... ذبابة الفاكهة بنسبة 70%.

المراجع :

Gunter, C., Dhand, R. Human biology by proxy. Nature 420, 509 (2002). https://doi.org/10.1038/420509a


Kellis M, Wold B, Snyder MP, Bernstein BE, Kundaje A, Marinov GK, Ward LD, Birney E, Crawford GE, Dekker J, Dunham I, Elnitski LL, Farnham PJ, Feingold EA, Gerstein M, Giddings MC, Gilbert DM, Gingeras TR, Green ED, Guigo R, Hubbard T, Kent J, Lieb JD, Myers RM, Pazin MJ, Ren B, Stamatoyannopoulos JA, Weng Z, White KP, Hardison RC. Defining functional DNA elements in the human genome. Proc Natl Acad Sci U S A. 2014 Apr 29;111(17):6131-8. doi: 10.1073/pnas.1318948111. Epub 2014 Apr 21. PMID: 24753594; PMCID: PMC4035993.


Tennyson CN, Klamut HJ, Worton RG. The human dystrophin gene requires 16 hours to be transcribed and is cotranscriptionally spliced. Nat Genet. 1995 Feb;9(2):184-90. doi: 10.1038/ng0295-184. PMID: 7719347


National Research Council (US) Committee on Mapping and Sequencing the Human Genome. Mapping and Sequencing the Human Genome. Washington (DC): National Academies Press (US); 1988. 2, Introduction. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK218247/





Tomkins, Jeffrey. “Genome-Wide DNA Alignment Similarity (Identity) for 40,000 Chimpanzee DNA Sequences Queried against the Human Genome is 86–89%.” Answers Research Journal 4 (2011): 233–234.https://answersresearchjournal.org/dna-similarity-chimpanzees-human/.

الثلاثاء، مايو 24، 2022

المنطلقات الإدراكية لعلم الفيزياء | [ نسبية الزمن المُدرَك وتكافؤ الطاقة والمادة ]

معادلة تكافؤ الكتلة والطاقة :

لم يكن آينشتاين يؤمن ب"المطلقيات" ضمن نطاق الأرصاد المحلية ، الكُتلة التي تعرفها من حياتك اليومية بالنسبة لإدراك آينشتاين ، هي مجردُ "أثر" ، والأثر يستتبع تآثراً والتآثرُ يستتبع قوة وعلة (طاقة ) ، وبعبارة أخرى ، ليس هناك كتلة صلبة كالتالي تصورها نيوتن ( المؤمن بعقلانية تفاعلات الواقع المحلي ومطلقيتها ) ، إنها ككتلة مجرد "إدراك فينومينولوجي" ليس له وجود إلا في ذهنية الراصد المُدرِك.

هذه الصورة التي أمامك تعني أن "قوى الثقالة والجاذبية" وحقولها التي تتعرض الكائنات لها من جراء التفاعل بين الشمس والأرض ، لا تعود لما نراه من كتلتي الشمس والأرض رأي العين أو جهاز الرصد ، ما نراه و"نحسه" هو "مجرد انعكاس" لتلك النقطة التآثرية الصغيرة ( تماماً كما في الصورة التي تريك إياه بين الشمس والمشتري ) وهذه النقطة هي التي يمتد تأثيرها إلى الناس مسببة أغلب ما نحسه من تماسُك كتلي ، وهذه النقطة هي "مركز التآثر الثقالي".

تغدو الثقالة مجرد طاقة نتجت عن التقاء طاقتين مجردتين في مركز ، وهذا المركز أعاد توجيهها بطريقة جديدة منعكسة عنه ضمن حقول خطية تفاعلية ، وكل ما يلامس تلك الحقول سيلامس تأثير الجذب الذي تقوم به الشمس والأرض ... هذا التأثير سيصل لمرحلة يحبس فيها الطاقة التي تعبر من خلال حقوله ، مثل طاقة جسمك التي تصبح مأسورة بمجال الأرض الثقالي المأسور بمجال الشمس الثقالي.

وبما أن هذا المركز التآثري الذي هو المركز الحقيقي لإحساسك بالجذب والتماسك، هو مركز  "غير كُتلي بالمعنى النيوتني، لأن الكتل النسبية ليست مادة صلبة في كون مُغلق" فإنه من الممكن تحويله إلى "قوة" أو "طاقة" تماماً كالحقل الكهرومغناطيسي أو النووي. أي أنك ( تظن ) أن هناك شيئاً "اسمه المادة" ذو وجود معزول، ولكنها مجرد تأثير يترجمه عقلك ويرصده إدراكك على نحو محلي ، مجرد طاقة.

هذه الطاقة محررة من المكان ولا يمكن فهمها بالمعادلات ، إلا لحظة تأثيرها على المكان ، ذلك التأثير الذي سيستتبعه الأثر ، والأثر سيستتبعه الرصد ، الأثر والرصد محليان ولكن الطاقة والتأثير ليسا محليين. الأثر شأن من شؤون الطاقة ، أما الطاقة فهي علة للأثر ، تنتهي الفيزياء ، عندما تبدأ دراسة الطاقة خارج حدود الأثر الذي تنتجه.

نظرة أعمق إلى معنى الطاقة :

في هذه الصورة توضيح لطريقة تحول الطاقة لجسيم. الشكل المخروطي هو رسم تبسيطي يمكن فهمه على أنه طاقة مجردة ( بلا أبعاد ) تعبُر عالماً بلا إحداثيات محلية ( ماورائي ) ، ثم تتصادم مع طاقة أخرى موجهة بشكل عكسي … يَنتج عن التصادم نوعين من الأرصاد ، الأول هو التكاثف في مركز الاصطدام والذي يسمى بالجسيم ( لأنه يتخذ قيماً كتلية في تأثيره المحلي أو يتفاعل مع الكتلة والمكان أحياناً ) والثاني هو السلوك الرياضي لهذا الجسيم ( قياس تأثيرات الجسيم في العالم المحلي وتحويلها إلى خصائصه التي تدرسها مثل اللف المغزلي ونحو ذلك ).

خارج هذا الرصد … لا وجود للجسيم

الجسيم هو الحادثة الفيزيائية التي يمكن وصفها رياضياً بأنها تأثير قابل للرصد محلياً وله قيم رصد دون ذرية.

الموجة هي سحابة قيم الرصد الممكنة لهذا التأثير ، سواءً ما تم رصده أو لا.

الطاقة هي "علة" لوجود الموجة أو الجسيم … بمعنى أنها موجودة في عالم آخر ، ليس هو الفيزياء … جميع معادلات الفيزياء التي تصف الطاقة إنما تصفها لحظة دخولها للعالم المحلي وتحولها إلى أثر.

في علم الفيزياء التجريبية ، لابد أن يكون الشيء قابلاً للرصد كي يدرس بشكل فيزيائي ، وبما أن الموجة بذاتها كطاقة تجريدية مؤثرة لا تكون قابلة للرصد إلا حين تتحول لجسيم بفعل التصادم الشعاعي المستقيم مع طاقة أخرى ، فالسبيل الوحيد لدراستها فيزيائياً وعدم انتقالها للميتافيزيقا هو اعتبارها شبكة احتمالات لرصد الجسيم ( بيحث تُدرَس عبر تأثيراتها المحلية وليس عبر جوهرها ) ، وهذا ينتج مباشرة مبدأ الارتياب.

المفهوم التجريدي عن الفوتون دقيق وصحيح ولكن ، إذا امتد نحو بنيوية الفوتون فسيجعل جوهره خارجاً من مجال الدراسة التجريبية ضمن الواقع المحلي. التعاريف التي تستخدمها الفيزياء النظرية تحرص حرصاً شديداً على أن لا تخرج الواقع من حيز المحليات والموضوعية ، وإن خَرَج الواقع ، تتعاملُ معه على أنه "لامنطقي ولا واقعيي" وتعبر عنه برياضيات الاحتمالات ، التي تصفُ تأثيره الموضوعي الممكن القياس ، وفي الحالة الأخيرة ، يصبح الاختزالُ ممكناً إلى الواقع المحلي مرة أخرى وذلك اختزالٌ اسمي فقط.

حتى الآن كان الكلام جميلاً ولطيفاً ، ولكنه يعني أن نظرية كل شيء أو النموذج الفيزيائي للعالم … تختزلُ الواقع التجريدي في الواقع المحلي من خلال التعامل مع تأثيره على الواقع المحلي وإهمال حقيقته الفينومينولوجية. ثم تزعم تفسير كل شيء وتفسير لقوى وبنيان العالم الأكبر بناء على هذا التوصيف الاسمي للأحداث (المرصودة).

الزمكان والفضاء :

وأما فكرة انحناء الزمكان ، فهذا لأن الزمكان "المحلي" ليس له وجود بدون أحداث وكائنات "محلية" مثل التي يخلقها التآثر.. 

الزمن والواقع الماديان أصلاً هما إنتاج طاقي على هيئة مجموعات من العناصر المتفرقة التي تجمع بينها روابط ونسب معينة ، بحيث لا يمكن فهم عنصر ما دون بقية العناصر.لينشأ الزمكان فهو ينتج عن تداخل الطاقات المجردة في فضاء التجريد ، مما يأسر الطاقات ببعضها البعض على هيئة مادية.

أي أنه مجرد "مُحاكاة" للتآثر الحاصل بين المراكز الحقلية للقوى المختلفة ، يمكن القول : حتى فكرة الزمان والمكان النيوتنيان ، الذين يتطابقان في لحظة التأثير ولحظة التأثّر ، وهو المبدأ الذي تعيش عبره حياتك ، وتحكم من خلاله القيم الفيزيائية المسؤولة عن التآثر واقعك ، هذه الفكرة ليس لها وجود إلا في عقلك ( وذهنك ).

وهكذا لا يكون للزمان وجود في عالم الفيزياء إلا على نحوه النسبي ، لأن نسبية التفاعلات التي تجري بين الطاقات المكونة لهذا العالم ، تجعل أولائك الطاقات مقيدة بمجالات الإمكان الفضائية المحلية ، مما يظهرها (كتأثيرات طاقية) بهيئة آثار محلية مادية لها درجة من السكون، فتصبح قابلة للرصد والقياس المحلي.. ذلك يعني أن الطاقة المجردة تكوّن عوالم نسبية في التجسد والتجسيد (في المكان والزمن ). هذا يسمح بتحريك الزمن الذي تعيش فيه تماماً كما لو أنه محاكاة لطاقاتك ، ومن هذا المنطلق ينشأ مفهوم السفر عبر الزمن ، وتكشف أيضاً عن حقيقة عبور الزمن وتجاوز الواقع الزمني الحالي.

ما تراه بعينيك الفيزيائيتين على أنه شمس ، هو "ترجمة" لجهازك الإراكي ، لأثر بؤرة التآثر الكهرومغناطيسي بين الحقل الكهربائي لعصبوناتك والحقل الكهروضوئي للشمس ، ولكن الشمس بحد ذاتها ليست ذلك الأثر ، فضلاً عن أن تكون ترجمتك الخاصة له ، أو ترجمة الجهاز له ، أما ما تحسه على أنه "شيء صلب" أو "كتلة مادية" مما يلامس جلدك ( بما في ذلك كوكب الأرض نفسه ) فهو "ترجمة" يقوم بها جهازك الإدراكي للأثر الصادر عن بؤرة التآثر الثقالي بين حقل الأرض وحقل جسدك ، وبعبارة أخرى ، مركز التآثر ليس في الأرض ولا في جسدك ، وإنما في مكان ما ( أو مجال ما ) بينهما.

أي أن جسدك ليس له وجود مادي ، بل هو طاقة تؤثر وتتأثر وكذلك الأرض ، ويأخذ وجوده المادي فقط كترجمة إدراكية عقلية وعصبية للتأثير الطاقي المُصدَّر من جوهره الزمني إليك والمتقاطع مع تأثيرات طاقية أخرى ، ففي غياب العالم المادي "الذي يؤثر على جسدك" عن إدراكك ، يغيب جسدُك والعكس صحيح أيضاً ( حينما يغيب إدراكُك أو جسدك عن العالم المادي تخرج منه ) ، نظرية الحقول تصحح لك "المفهوم الطبيعي الساذج عن العالم".

إن الذي ترصده بحواسك ( أو بأجهزة القياس والرصد ) هو "آثار" لحقول ، ودلالة "حقول" تعادل "مجالات تأثير" ، التأثير بحد ذاته مفهوم فلسفي وليس علمياً ، ولا يمكن تعليله بشكل علمي ، فحتى ولو فرضت وجود "كم" للجاذبية ، فهذا الكم بحد ذاته وإذا فهمته ككائن يمكن رصده أو احتسابه رياضياً ، فلن يكون إلا تمظهراً لحقل أعمق منه ، لأنه لحظة رصده أو تعيين قيمة فيزيائية رياضية محددة له يختفي من كونه علة المجال ويتحول إلى رصدك الخاص لآلية المجال وتوصيفه الرياضي بالنسبة لمراقب من العالَم المادي. 

علية التأثير تعني وجود شيء غير مادي يسيّر أحداث الواقع المادي ( أي الواقع كما تترجمه على أنه مادة ) وهذا الشيء هو ما سماه آينشتاين بـ"اللامتغير" مقابل "النسبي" الذي يُحاكي ذلك اللامتغير عن طريق وساطة المتغيرات الخفية ، هذا هو المبدأ العلمي للمُحاكاة بشكله الأكثر بساطة ضمن القرن العشرين.

خلاصة ما سبق : التآثر النسبي يعني أن العالَم الحسي لا يُخبر بوجود مواد وكتل ، بل بوجود طاقات تؤثر على طاقاتك وتتفاعلُ معها فينشأ جسدك ، وينشأ إحساسك بالزمن ، وكل ما ترصده يعود إلى "تضارب الطاقات" وتقييدها لبعضها البعض.

لماذا يكون الفضاء مظلم دائمًا على الرغم من وجود شمس ضخمة بالقرب منه؟

 يعتَمِد الجواب على حقيقتين : حقيقة الشمس كمصدر ضوئي ، وحقيقة الفضاء كـ"عاكِسٍ للضوء".

الشمس كمصدر ضوئي ليست ذلك المضواء المُطلق ، الذي يمكنه إطلاق الضوء الخالص ، لأن الشمس الفيزيائية بالنهاية مقيدة بموقعها في الفضاء ، مقيدة بعلاقاتها مع المنحنى الزمكاني ، مقيدة بِكُتلتها المادية ، هذه الأشياء تمنعُ شعاع الشمسِ من اتخاذ قيمٍ مُطلقة ، لأنّ الكتلة الزمنية للشمس تحول دون تحرُّر الشعاع من منطلقه بقيمة مُطلقة.

أمّا الفضاء ، ليس كما تتخيل … إنّه أوّلاً ليسَ متلقياً سالباً لضوء الشمس بل على العكس ، هو عديم الكتلة بالنسبة للثقالة الظاهرة ، ولكنه بما هو مجموعة علاقات بين الأفلاك ، فإنّ الكُتلة تنتشِر عبر آفاقه تماماً كما ينتشر الموج في البحر بفعل الريح، وكقوة عازلة تمنع تلك التأثيرات الكتلية وصول شعاع الضوء إلى هدفه بشكل مباشر مستقيم، ولكن هذه المرة دون أن تعكس ضياءه بشكل ظاهر ، لأنها موزعة على نقاط متناهية الصغر عبر أفق الفضاء اللامتناهي … هذا ما تنبّأت به نظرية آينشتاين.

في الصورة السابقة : الشعاع الذي يعبر الأفق يتأثر بطاقة الجذب التي تمارسها الشمس على المحيط الفضائي الزمني حولها ، لذلك يتعرض للانحناء لكي يتلاءم معها ، والسر الحقيقي في ذلك هو أن الجاذبية هي نوع من أنواع الطاقة التي تتوجه نحو الطاقة الرئيسية العابرة لحقلها وتؤثر عليها ... كيف يمكن أن تكون الجاذبية طاقة وهي ما يعطي للكتلة معناها ؟ السر هو : الكتلة أيضاً هي طاقة ، ولكنها طاقة في وضع سكوني ضمن المحل ، طاقة تعطلت عن الجريان وتحولت إلى شكل غير متجه ، وتم احتباشها على هيئة جسد مادي ساكن الحركة في تكوينه الداخلي ، متحرك بفعل القوى المؤثرة عليه خارجياً ...

يحدث الانحباس هذا عندما تكون الطاقة غير كافية للتحرر أمام طاقة أخرى موجهة نحوها لتقييدها، وهذا يؤدي في النهاية إلى وضع السكون لحركة الطاقة الأولى ضمن المدى الذي تؤثر من خلاله الطاقة التي تقيدها ... عكس تأثير الطاقة ضمن المحل مع الحفاظ عليها فيه سيؤدي إلى جعلها شاغراً في الفضاء المحلي ، وهذا الأمر سيحدث فجوة في ذلك الفضاء ، تتناسب قيمتها مع قيمة المكان الذي سكنت فيه الطاقة بجسد مادي ... ولكن هذه الفجوة أو الحالة الفضائية السالبة للكتل ستكون انتشارية من المركز الصلب إلى محيطه ممتدة عبر الفضاء ، ولذلك تجذب الكتل الأخرى نحوها وهذا يسهم بتعزيز تلك الحالة الفضائية السالبة بالجذب الناتج عن الكتل الجديدة أيضاً ، ومع تزايد الكتل وتكاثفها بفعل ازدياد الطاقة المقيدة تقييداً ( ازدياد مقدار الطاقة وتناقص سعة الزنزانة الفضائية التي تشغرها ) تنشأ الحقول الثقالية الكبرى مثل الشمس والقمر والنجوم ... عبور الضوء لتلك الفجوات الفضائية يعني أنه لن يمر في فضاء تام بل عبر فضاء سالب للكتل والسطوح ( بفعل تكتل الطاقات  التي تعبر من خلاله وتنشئ محيطاً سالباً ينتشر حولها ويجذب إليها الأجسام ) محاولاً تحقيق التوازن بين الفجوة التي تنتشر حول مكان الطاقة الحبيسة وبين الأجسام التي تحبس طاقات أخرى - تعويض القيمة السالبة ضمن الفضاء والتي نشأت عن الضغط الكتلي ذو القيمة الموجبة في مكان تقييد الطاقة وتحولها إلى كتلة ، يجعل الفضاء ( يبدو ) وكأنه يمتلئ بطاقة تسمى بالجذب الكتلي ، ولكي يعبر الشعاع من خلال فضاء سالب كتلياً ( وبالتالي فوضوي السطح ) سيمر عبر فضاء متحرك بتفاعلات بين السلب والإيجاب ، الضوء نفسه ليس له كتلة ، والفضاء نفسه ليس فيه كتلة موجبة ، ولكن الضوء لا يفهم فيزيائياً إلا عند اصطدامه بكتلة أو إحاطته بها ، والفضاء أصبح الآن أشبه بكونه ذو كتلة سالبة.

ينشأ الزمن المحلي عن تفاعل السلب والإيجاب بين كائنين لهما قيمة فيزيائية ضمن عالم المحل ... الضوء أيضاً يصطدم بهذا ا"السلب الكُتلي" كما يتآثر مع الكتل الموجبة تماماً ، ولذلك تؤثر الجاذبية ( بما هي طاقة سالبة للكتل ) على شعاع الضوء ( بما هو طاقة تتفاعل مع الكتل ) وكلا الأمرين ، الجاذبية والضوء ، هما من جنس أعم واحد يسمى بالطاقة ، وهي علة الآثار المرصودة في الزمن المحلي ، إنها التفاعلات المؤدية إلى تكوين الزمن المحلي على هيأته المرصودة ، ولذلك ، تفاعل الطاقة والفضاء باعتبار أن الطاقة يمكن توجيهها ونشرها ، كفيلٌ بتفسير كل شيء يحدث ضمن الفضاء المحلي.

الجاذبية لا تسلب الضوء ، هي بالأحرى تسلب  وتعدل المكان الذي يقطعه الضوء ، وبما أن المكان هنا هو مسافة فاصلة بين نقطتين نهايتهما نقطة الاستقرار والأولى نقطة الانطلاق ، فهو أيضاً نوعٌ من الطاقة سلبية الكتلة ، بين مصدر الضوء ومستقره ، وبسبب تقاطعها مع طاقة سلبية الكتلة أخرى سوف يتأثر الضوء ولن يصل بالضبط بنفس المكان الافتراضي إقليدياً واستوائياً ، لأنه محمول على حاملٍ مادي هو المكان السالب للكتلة نفسه ، إن ما يحدث بالضبط هو أن الفضاءات السالبة تتداخل معاً وتشوه بعضها بعضهاً باستمرار ، بعبارة أخرى فالضوء بقي محافظاً على مساره المجرد تماماً ، ولكن الحامل المحلي لهذا المسار قد انحرف وتحول إلى منحنى زمكاني أنتج هذه الظاهرة.

الفضاء المحلي ، مجموعة من القوى الهائلة المتناثرة ، كبحرٍ ليس لهُ بنيان مادي ، لكنّه يمتصّ التآثرات ويعكسها على بعضها البعض ، إنه بحرٌ من المجالات التفاعلية الفوضوية ، التي تمثل تحقق فضاء الإمكان التجريدي ضمن العالَم المادي ، فكل الأحداث ممكنة الوقوع ، تحدُث في الفضاء ، عن طريق تجسيد القوى المجردة بضرب بعضها ببعض ، تنشأ الكتلة عن تقييد طاقة مجردة بطاقة أخرى مجردة ، وهذا التقييد يجعل الطاقة تفقد جزءً ما من تجريدها ، ليكون لها بنيانٌ مادي قابل للرصد والتآثر من راصدٍ محلي ، كُلّ هذه الأحداث ، تحدث على مرايا الزمكان التي تسمى حين رصدها : الفضاء.

لذلك لا يمكن للفضاء أن يعكس الضوء ضمنه ، لأنه سالب الكتلة ، ورصد الضوء في عالم المحليات يعتمد على تفاعله مع كتل موجبة ، وهذا يجعل الضوء ينعكس عبر الفضاء وليس ضمن الفضاء.

زوالُ تضارب القوى من الفضاء يؤدي لزوال النسبية والدخول في حيز المُطلق التجريدي ، ويمنع حركة الزمن المحلي ، ويكشف مرآة الكون على حقيقتها.

هذا الأمر يؤثر على حركة المجرات التي تتباعدُ عن بعضها كما يتباعدُ العائمون في بحر من أمواج الفوضى … وكذلك الكائنات والقوى شديدة الرهافة كالضوء ويشتت حركتها فيه ، تماماً كما لو كانت تعوم في البحر ، هذا التشتت في الحركة ، يظهر في الفضاء الفوضوي بشكل غير مُتجه مطلقاً ، ليس هناك جهة للطاقة السالبة كتلياً لأنها تنتشر حول الكتل الموجبة في الفضاء ، وبسبب تباعد الكتل الموجبة فلكياً وتكافؤ قواها الجاذبة ، تكون الحركة الفضائية فراغية وطافية ، كل ما تفعله هو تعطيل الأجسام المتحركة التي تعبر ضمنها ، لذلك لا تكون الحركة فيه مثلها على الأرض ، رغم وجود القوى..

هل للأشعة وجسيمات الضوء كتلة ؟ ما هي حقيقة تلك الجسيمات ؟

الضوء عديمُ الكتلة ، طالما أنه لا يتفاعلُ مع الكتل …

ولكنك لن تستطيع فيزيائياً أن ترصُد هذا الضوء ، أقصى ما يمكن فعله أن ترصد أثر الضوء العابر للفضاء المحلي. وهذا يجعلُ الضوء محدد السرعة دائماً ، مع أن السرعة الفيزيائية المُطلقة لا ينبغي أن تحددها أي قيمٍ على الإطلاق ، ولكن الفيزياء تدرسُ واقعاً تركيبياً من تفاعلات قوى متضاربة ، تشوه الزمكان بتضاربها.

ما يُسمى بالفوتون ليس ضوءً ، إنه قياس الموجة الضوئية بالنسبة لجهاز أو لـ"تأثير" ممارس عليها يحد من قدرتها ، ويعكس بياناتها لمن أطلق ذلك التأثير وهو يعلم مسبقاً ، ما تفسير ردود الأفعال التي ستنعكس من اصطدام التأثيرين.

إن الضوء في واقعته الخاصة وحقيقته ، لا يستوي مع الضوء في عالم الفيزياء التركيبي ، وعالم الأرصاد الأكثر تركيباً ، وعالم المعادلات والتأويلات الأكثر تركيباً وتركيباً. إن الضوء الذي يمر في فضاء محلي سالب ثم يصطدم مع الطاقة المختزنة ضمن كتلة ما ، ثم يتم قياسه وتصوير آثاره المبعثرة وتجميع الصور الكترونياً ورقمياً ، ليس هو الضوء الحقيقي ولن يكون أبداً.

من المهم ذكره أيضاً ، أن الضوء لحظة القياس سواءً أثناء عبوره للفضاء أو في واقعة أرضية ، سيتخذ قيماً ومتجهات ليس لأنه محددٌ بها ، بل لأن "رصده" محدد بها ، ولاكتلية الضوء في معادلة آينشتاين تتحدث عن تفاعله مع الكُتل بشكل لا يظهر فيه تأثير تجاذبي متبادل بينه وبينها ، ورغم ذلك فهي تعيق حركته المُطلَقة من حيث أن قوة الجذب في النهاية تؤثر على "الأشياء" التي يضيؤها الضوء وعلى السطح الزمني الذي يعبره والطاقة المختزنة في الكتلة تؤثر على مسار الضوء ، وليس على الضوء نفسه ، وبما أن الضوء لا يمكن قياسه تجريبياً بمعزلٍ عن تلك الأشياء فلن تستطيع أن تفهم قيمه الحقيقية محلياً أبداً.

في معادلات النسبية لا يتحدث آينشتاين عن الضوء الخالص ، بل عن الضوء الذي يتفاعل مع القوى الأُخرى ، ويتحدث عنه في لحظية التفاعل وليس فيما سواها ، فهو يصف "فاعلية الضوء وإجراءاته التي يتخذها بالنسبة لظروف معينة" وخارج هذه الظروف ، لا يكون ضوءً محلياً أصلاً …

الحَرَكة والزَّمَن المحلي :

 

إنك إذا تخطو الآن خطوتك التالية لإدراك المعنى الحقيقي ل"الحركة" والزمن اللازم عنها ، دون اعتمادٍ على "مُسلمات مسبقة غير مُثبتة" قادمة من المعرِفة التراكُبية للأجيال التي سبقت لحظتك الحالية ... ستغدو الحركة الفيزيائية هي "تفاعلاً طاقياً متغيّراً بين عناصر شبكة المواضيع الفيزيائية يعطي نتائج وأحداثاً جديدة" وذلك ما يعني وجود "فعلٍ مشتركٍ تبادلي" بين كُل موضوعين مُتفاعلين. أي أن الكائن والحدث يغدو "مُلتقى الطاقات المُتفاعلة" و "ملتقى العلاقات النسبية" بين الأنسجة الحاملة لتلك الطاقات. إن بنيانه الزمني المادي يغدو مجموعة علاقات بين الطاقات ، وبنيانه كشاغرٍ لمكان معين يغدو مجموعة علاقات بين الأمكنة الناقلة للطاقات إلى نقطة الملتقى "التي هي ذلك الجسم نفسه" ، وهكذا جميع الأجسام ، وحتى المكان باعتباره حاملاً للطاقة ، يفقد معناه دون أجسام ترسم خريطته النسبية ، فلا يكون المكان والفضاء سوى الطاقات المتلاقية نفسها.

عندما تتعامل مع الموضوعات الفيزيائية الحسية (هَلْ) تتعاملُ معها من مُستوى وجودها الفيزيائي الذُريري (حدَثيات هنا والآن) ، أم من بُعدها الفيزيائي الماهوي (هذا حاسوب ، هذه طاولة ، وذاك ، إنسان). كلا البُعدين موجودين لإدراكك بنفس مستوى الحقيقة ، كلاهما معطيات تستطيع الوصول لها والإحساس بوجودها بطريقة ما ، ولابد أنك تُلاحظ وجود علاقة ما بينهما ، تلازم معين ، ما سرُ هذا التلازم ؟ لعلك تعلمُ جيداً أن الماهيات الفيزيائية المعقولة ، هي أيضاً ( علاقات تفاعلية في عالم العقل والتجريد ) بين ماهيات أبسط منها ، فتفاعُل ماهية الكُتلة ( المعنى الأعم لها وبغض النظر عن الاعتبارات العلمية التفصيلية فكلها ستغدو صحيحة-ما يهمُ الآن هو العاملُ المُشترك بين كل تعريف ممكن للكتلة-وهو الكتلة كما تنطبعُ في إدراكك ) مع ماهية "السطح\السطوحية المستوية" سيولد ماهية الطاولة بصيغتها الأكثر بساطة على الإطلاق ، إضافة معايير كمية معينة ( طول معين-ارتفاع معين-وزن معين ) ومعايير فيزيائية وطبيعية (مادة الصُنع- الصفات الفنية) ومحددات أكثر دقة "المكان بالضبط \ الوقت بالضبط" ، هو ما يُنتج لك مفهوم الطاولة التي بين يديك هذه الأيام – إن كان بين يديك واحدة – وهذا المفهوم ، قابلٌ على الانطباق على ما لا نهاية له من المصاديق الطاولاتية ، أما مفهوم الطاولة الأبسط ، فيغدو كل مفهوم طاولي أعقد منه ، انعكاساً ماهوياً له ، من لانهائية في الانعكاسات.

"الحركة" كفهوم وجودي، مجرد عن تقييده بقيود محلية لا داعي لها ، وكتعليل صحيح والوحيد الصحيح للحركة المحلية، هي كُل تفاعلٍ بين موضوعين وجوديين ، سواءً كانا محليين أم غير محليين ، فلا فرق إلا في "الزمن" الذي تتم فيه (أو تندمج به) تلك التفاعلات ، وبما أن الحركة نفسها يمكن أن تغدو كائناً عقلياً مُجرداً ، وبما أنها تكون التبرير الصحيح للحركة المحلية عندما تُصبح كذلك ، فمِن وجهة نظرٍ إدراكية خالصة ، ف"الحركة العقلية" هي ما يخلق حركة الفيزياء ، فالزمن المحلي ، ما هو إلا انعكاسٌ للزمن العقلي التجريدي ، كل الوجود الفيزيائي كذلك. كل ما في الأمر أن ازدياد التكاثف نتيجة ازدياد القيود على المعقولات البسيطة ، سيؤدي في مرحلة معينة ، إلى تقييد المعقول بما يكفي لجعله "محلياً" لا ينطبقُ إلا على نفسه ، تخيل أنك تُقيد مفهوم الطاولة التي بين يديك ، بمفهوم الحيز الذي تشغله ، والذي هو مجموعة من الأشباك التناسبية بين بقية الموضوعات ، دخول مفهوم الطاولة العام إلى علاقات هذا المفهوم المحلي ، سيُحددها بحدثية "هُنا والآن" وسيخلق مباشرة الطاولة التي أمامك بالذات. فالطبيعة عقلٌ منظور ، والعقلُ طبيعةٌ مخفيّة ، والفرق يكمن فقط في نسبة التكاثُف\التعقيد\التقييد.

كُنهُ المادة شَبَكَةٌ من العلاقات الميتافيزيقية المُجَرَّدَة :

فما يُشكل الوجود الفيزيائي المحلي هو إذن "التآثر المحلي" النسبي ، وهو الجوهر الحقيقي للمادة (كُنهُها). المِثالية لا تلتفت له ، والمادية تؤمن بسذاجة بـ"مُطلقيته". وهذا يعني أن ما يُشكل الزمن (والمكان) هو العلاقات التآثرية لموضوع ما مع بقية المواضيع ، فزمنُ موضوع ما بالنسبة لموضوع آخر ، هو نطاقُ حركته التي وصلَ تأثيرها إلى الموضوع الثاني ، والتي نتَجت عن "تشابُك العلاقات أو التآثرات" المكونة لتلك الحركة التي قام بها الموضوع الأول ، المكونة لتلك الخاصية من ذلك الموضوع الفيزيائي الأول. ولو أن هذه العلاقات التآثرية تختلف بين موضوع وموضوع آخر نسبة لنفس محور الإسناد (الموضوع الثالثُ المُشترك بينهما-الذي يؤثر كل منهما عليه) فهذا سيؤدي حتماً لاختلاف الأرصاد لحركة كل منهما عند إسناد تِلك الأرصاد لذلك المحور ، فلَكَ أن تتصور نُقطة زمكانية محلية ضمن فضاء فيه ثلاث نقاط أخرى ، حركة النقطة الأولى تسير مُنتظمة بشكل طوفاني حول النُقطة الثانية ، والنُقطة الثالثة تطوف حول الأولى ، والرابعة أيضاً ، لكن سرعة طواف الأولى أقل بأضعاف من سرعة الثالثة ، أقل بأضعاف من الرابعة ، ما هو الزمن الآن ؟ دون الالتفات لقضية الرصد ، الزمن للنقطة الأولى ، من حيثية معينة ، هو العلاقة التآثرية بينها وبين النقطة الثانية (محور المحاور ضمن هذه المجموعة) ، ومن حيثية أخرى ، هو العلاقة بينها وبين النقطة الثالثة ، وكذلك هو العلاقة بينها وبين الأخيرة، شبكة العلاقات هذه ، تؤدي لخلق "تشابك تآثري" يكوِّن الزمن المحلي الحقيقي للنقطة الأولى بالنسبة إلى نفسها ، وهذا النسيج الجديد ، يؤثر على العلاقات الثلاثة معاً، وذلك يؤثر على العلاقات بين بقية النقاط نسبة لبعضها البعض. وإن الزمن (الحركة الحَدَثية) للنقطة الأولى ، بالنسبة إلى نفسها ، عندما يتم مقارنته بزمنها بزاوية الرصد للنقطة الثانية (محور المحاور) ، سيكون مختلفاً تماماً (بينما يكون بينهما تآثر، ليس بينهما اتصال آني مباشر) ، فمن وجهة الوجود الفيزيائي لمحور المحاور ، ذلك الزمن ( لولب الحركة التفاعلية المحلية الخاص بالنُقطة الأولى ) سيُقاس كـ"تأثير دخيل" على زمن نسيج ذلك المحور ، وهذا التأثير سيُقاس ضمن نطاق ذلك النسيج ، وليس ضمن نطاق مصدره ، النسيج الأول ، مما يُحدث انفصالاً في الآنية المحلية. وقد يتوهم الراصد – بطريقة ساذجة – أن كلا النقطتين يسيران في خط زمني واحد ، ليس لشيء سوى لكونهما يتأثران ببعضهما ، إلا أن هذا التأثر ، يتكون تكويناً مختلفاً في كل نقطة ، وكونه متبادلاً ، هو الدليل الوحيد على وجود العلاقة الزمنية بينهما ، وهي "فقط" علاقة زمنية نسبية ، تختلف آثارها من نُقطة إلى أخرى ... مع ازدياد التشابك والبناء ، تصبح اللوحة فُسيفسائية بشكل لا يُمكن مُحاكاته طوبوغرافياً ، كل نقطة تشكل زمناً مستقلاً ونسبياً لكل نُقطة أخرى ، وهذه النسبية الظاهرية ، يؤولها الموقف الطبيعي الساذج على أنها "ضد وحدة الوجود" وكدليل على انتفاء المُجردات ووجود المادة (التي لا يزالُ كنهُها الحقيقي شبحياً). إن سر سرعة النُقطة الثالثة ، ليس إلا نظامها المستتر الذي تفاعل بطريقة مناسبة مع تأثير ذلك التناسج الزمكاني المركب لها ، المتأثر بالنقطة الأولى وبقية النقاط ، وهذا النظام تَشكل أيضاً من علاقات تآثرية معينة مع نقاط أخرى لم يتم ذكرها بعد ، زمن النقطة الثالثة بالنسبة للنقطة الأولى ، هو تآثرُ بينهما ، ولكن زمن النقطة الثالثة بالنسبة لمحور المحاور ، هو التآثر بينهما بغض النظر عن الزمن السابق ذكره ، فلو وُجد ذلك الراصد المحايد مُطلقاً ، ولا حدود لقدرته الرصدية (وهذا سيتطلبُ خروجه من الرؤية النسبية المحلية-خروجه من الزمن المحلي) ، سيلاحظ أن المتجه الكمي الزمكاني الحركي لتلك النقطة – بالنسبة لنفسها – من حيث عامل النقطة الأولى ، يختلف تماماً عنه من حيثُ عامل محور المحاور ، لأنه سيقيس الأحداث القادمة من آثار المحور ، بطريقة مختلفة تماماً عن تلك القادمة من آثار العلاقة مع النقطة الثانية (كوكب الأرض) ، وسيرى عدم وجود تزامن بينهما ، بمعنى آخر ، ليس هناك اتصال بين العاملين الدخيلين إلا ضمن نطاق النسيج الذي دخلا إليه ، خارج هذا النسيج : كلٌ في فلكٍ يسبحون ، فهما (قطعتان) مختلفتان من الزمكان المحلي ، كل منهما ، يشكل زمناً محلياً قائماً بذاته. الأحداث التي تحصلُ نتيجة للعلاقة بين كوكب الأرض والشمس ، عندما يتم قياسها ( إدراك أثرها بشكل حيادي ) من نقطة على القمر ، سوف يظهر عدم تزامنها مع الأحداث التي تحصل على كوكب عطارد نتيجة العلاقة بينه وبين الشمس ، وطبعاً ، لا يمكن في عالم نسبي كهذا ، تجريد العلاقات لتلك الدرجة ، فهاتين العلاقتين ، تتآثران بنقاط(مواضيع محلية) لانهاية لها. ليس هناك إذن ضرورة لاستخدام فكرة "التزامن المحلي المُطلق"، بل هي فِكرة غير منطقية ، غير علمية وغير حقيقية. وكلّ موضوع فيزيائي له عدد من المُتجهات الرياضية الزمكانية للحركة ، بعدد محاور الإسناد المشتركة بينه وبين بقية الموضوعات.

والخلاصة هي حَرَكَةُ موضوع فيزيائي تَنسجُ له زمكاناً محلياً ذو نطاق معزول عن النُسج الأخرى لبقية المواضيع ، وهذا الزمكان المحلي يتآثر ببقية الحركات الزمنية ولا يتزامن آنياً معها (لأنه لا ينتمي لعالم الكليات والمُجردات) ، كما أنه يختلف في تأثيره من موضوع لآخر ، ومن ذاتيته إلى موضوعيته المحلية ، فيمتلكُ متجهاً خاصاً لكل موضوع يتآثر معه. هذا المبدأ ، يمكن تسميته بـ"نسبية الزمن المحلي لموضوع فيزيائي".

* المبدأ الثاني : نسبية زَمن الإدراك :

 

إن ما يتمُ رصده من قبل مراقب عطالي أو نشط ، ليس إلا "أثراً في إدراكه". بمعنىً أكثر دقة : وصول التأثير إلى نطاق أرصاده المتأثر بنسيجه الزمني المحلي.

ولعلك تتخيل الآن ذلك الخيال المُستحيل ، محاولاً مُحاكاة الكواكب في نقطة معينة من الزمن نسبة لبعضها البعض ، ولي أن أخبرك ، أن الكواكب (وأي شيء) لا يتوقف أبداً عن الحركة بطريقة تسمحُ بقياسه لموضوع آخر ، التمثيل المادي للنسبية الفيزيائية مُستحيل ، وستحتاج لخيالٍ إبداعي لهذا العمل. فالزمان ليس بُعداً رابعاً ، هو مُجرد الصورة الحقيقة للمكان ، التي تتشكل بالتناظر اللاتطابقي ، تناظر مُنعكسات النِظام المُستتر. وهذا الفَصل ، يُعدم التزامن بين الحدثيات المحلية ، في اللحظة التي يتم قياسها بأجهزة رصد محلي ، ويظهر اختلاف المُتجهات الرياضية لكل علاقة نطاق محلي مرصود بمحور إسناد معين ، عن علاقة بقية النطاقات بذات محور الإسناد. الزمنُ (كبُعد محلي رابع) ليس إلا "تأويلاً" لاختلاف المُتجهات الرياضية لحركة الموضوعات الفيزيائية بشكل لا تطابُق آني فيه ، مما يوجب أحياناً التعامُل (الاعتباري) معها كـ"موضوعات ذات أربع مُتجهات محلية رئيسية-تتفرع عنها بقية المُتجهات".

 

 

المنطلقات الإدراكية لعلم الفيزياء | [ نسبية الزمن المُدرَك - الجزء الأول ]

إن قياس أي قيمة فيزيائية لموضوع محلي ، لا يتم إلا بإسناده لشبكة من العلاقات مع مواضيع محلية أخرى ، وقياس علاقاته مع بعض تلك المواضيع إلى علاقات أخرى تعتبر أكثر "ثباتاً ومعيارية".لو افترضتَ وجود موضوع محلي ليس له أي علاقات ، لن يكون كذلك له أي معنىً واقعي محلي لأي خاصية فيزيائية فيه ، لن يكون هنالك أي أحداث ترتبط به ، لا تاريخ ، لا حركة ، "لازمن محلي ولا وجود" ، فقط تخيل نُقطة ما، تُشكل عالماً معزولاً قائماً بذاته ، وستُدرك سريعاً أن ما تتخيلهُ ليس إلا "العَدَم الفيزيائي المُطلق" الذي لا خصائص له ، ولا وجود زماني محلي ، فهو خارج نطاق الفيزياء كما تعرفها ، لأنه خالي من "التآثر" فهو بلا قيم فيزيائية ( بلا علاقات تقيده ) فهو إذن ، ليس كائناً محلياً.

إذا تسارعت كل الحركات الفيزيائية لمختلف الموضوعات ، ضمن نظام فيزيائي ، سواءً كان مُغلقاً أو مفتوحاً ، بنفس القدر الرياضي ، فلن يختلف أي شيء ، بعبارة موجزة لن يكون هناك معنىً لذلك ، وليس له وجودٌ في الواقعة الفيزيائية أصلاً ، لأن القيمة الرياضية للسرعة هي "نسبة سرعة موضوع معين إلى موضوع آخر وإلى بقية المواضيع". فأنت ثابتٌ نسبياً أمام الشيء الذي تقرأ منه أو تستمع الآن له ، مُتحرك بالنسبة للشمس بسرعة تفوق توقعك ، متحرك بالنسبة لأندروميدا بسرعة تفوق تخيلك ، قِس على ذلك كل القيم الفيزيائية ، الحجم ، الكُتلة ، الكثافة ، الزخم ، العزم ، الاتجاه ، القوة الكهرومغناطيسية ، القوة النووية ، الجاذبية ، الانتروبيا ، الطاقة السالبة ، المادة المُظلمة وكلُّ ما تشاء. غياب نسبية الموضوع الفيزيائي أو صفة معينة له، وتحوله إلى موضوع مطلق ، يعادل معنوياً فناء ذلك الموضوع ضمن العالم المادي ومستوى الإحداثيات المحلي ودخوله في عالم ليس فيه فيزياء ولا موضوعية خارجية.

شرط تحقق قياسات الفيزياء هو أن يكون موضوع الإدراك محلياً وخارجياً وعاكساً للقوى على الحواس الراصد أو أجهزة الرصد ، وشرط المحلية والخارجية ، أن يكون الموضوع الفيزيائي نسبياً في علاقاته ، حتى يتسنى للراصد تحديده بزمكان معين بالنسبة للكائنات الزمكانية المحلية ، وكل موضوع ليس له علاقات نسبية يمكن من خلالها قياسه إلى كائنات زمنية أخرى هو موضوع خارق لمنطق الفيزياء ولا يحتمل في دراسته مناهج التجريب الوضعي المتعارف عليها.

وسأضرب لك الآن أمثالاً واضحة :

النسبية مُنطلق لإدراك الزمن الغيابي :

إذا فهمتَ الزمن المحلي على أنه "النتيجة اللازمة عن الحركة التفاعلية المحلية بكل أشكالها" ، فستُدرِك أن النسبية ليست نسبية زمن فقط ، بل هي أيضاً نسبية المكان ، الكُتلة ، الحجم ، التماسُك ... هي نسبية الثوابت الكونية ( بما فيها سُرعة الضوء ) ، هي نسبية كل شيء فيزيائي تعرفه ولا تعرفه ، إنها نسبية الواقع المحلي نفسه ، ولأنه نسبي كانت حركته نسبية وكان زمنه نسبياً.

جميع الكائنات المحلية تعامل كأنسجة للحقول الفيزيائية العليا لحظة قياسها ، و عندما تكون الكموم محلية ( وهي ليست كذلك إلا حيثُ رُصدت أو حُسب تأثيرها ) فسوف تخضعُ لكل ما ذُكِر لك للتو. وهذا هو السر في إمكانية تحول الكُتل إلى طاقات ، والطاقات إلى كُتل ، والفضاء إلى شاغر ، والشاغر إلى فضاء.

نسبية الواقع المحلي تعني أنه قائمٌ على الكثرة في العلاقات ، ولا يأخذ شيء فيه أي هوية إن لم يكن له كثرة في العلاقات وكلما قلت تلك العلاقات كان الكائن أبعد عن القدرة على رصده محلياً.

كثرة العلاقات النسبية تعني أن الكائن لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن إطار اعتبارات تقيس قيمه الفيزيائية المحلية إلى قيم فيزيائية لبقية الكائنات المحلية ، فلا يوجد الواقع المحلي إلا لحظة وجود التعدد في تركيب الكائن الزمني وتركيب المستوى الوجودي الذي ينتمي له هذا الكائن ... وهذا المستوى يسمى في النسبية : "الفضاء الزمكاني رباعي الأبعاد".

ولأن القيمة الفيزيائية وحساباتها لا تكون فقط في مرحلة الكائن الزمني المحلي وهو موجود على أرض الواقع المحلي ، بل أيضاً في عملية التكوين التي أدت لوجود الكائن الزمني ، فستكون عملية التكوين نفسها نسبية أيضاً وإلا لما أمكن وجود كائن محلي نسبي من أسباب مطلقة.

وبمعنى آخر ، الأسباب التي أوجدت القيم الفيزيائية لهذا الكائن المحلي هي أسباب نسبية ، تعتمدُ على واقع نسبي لا يمكن فيه للأسباب والأفعال أن تأخذ قيم تأثيرها إلا بالاعتماد على العلاقات التي تربطها معاً وكلما تحررت من ترابطها معاً تتحرر الأسباب من القيود المحلية وتتحرر نتائجها من الأجساد المحلية. ذلك التأثير النسبي المقيد ببقية التأثيرات هو التفاعل الزمني الحقيقي الذي سيؤدي في النهاية إلى إنتاج الكائن المحلي ، وبما أن هذا التفاعُل نسبي ، فليست القياسات التي تجرى على المكان فقط نسبية أي ليس فقط وجود الكائن أو التأثير ضمن المستوى المحلي لحظة الإنتاج والرصد نسبياً ، بل إن التفاعل الذي يسبق تحول شعاع التأثير إلى أثر فيزياء ممارس على الواقع ومرصود بالجهاز ، هو أيضاً نسبي ، وهنا تأتي نسبية الزمن الحقيقية التي قلما تجد من يفهمها أصلاً كي يشرحها.

فالسرعة لحظة قياسها تنتسب إلى سرعات أخرى معروفة جيداً ، فتكون سرعة السيارة كبيرة بالنسبة لرمي الحجر ، ولكنها صغيرة بالنسبة للطائرة والكوكب والمكوك الفضائي ، هذه نسبية السرعة لحظة تجسدها واقعياً ، ولكن آينشتاين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ... فزمن "التكوين" الذي أنتج سرعة شيء ما ، لم يفعل ذلك بطريقة شعاعية ، ولذلك لا يمكن للسرعة نفسها أن تتوافق تماماً في لحظتي رصد ، ولا يمكن لسرعتين أن تتطابقا تمام التطابق ، ولا يمكن لأي قياسين أن يكونا طوبقين تماماً، بعبارة أدق : لا وجود للمقاييس أصلاً ، يوجد فقط علاقات تآثرية تسهم في تكوين الواقع المرصود.

فليس هنالك زمن ثابت لكل الراصدين ، كالثانية والدقيقة الافتراضيان ، ولكن هذه الثانية لا تضطرب في الظروف الاعتيادية اثناء قياسها لأنها تحافظ على العلاقات الأساسية المسهمة في تكوينها ، مما يجعل الجميع يرصدها بنفس الدقة ، ولكن أثناء الرصد الدقيق جداً بالنسبة للطرق الكلاسيكية ، يمكن أن ترى أن الثانية لا يوجد فيها أي شيء ثابت ، وهذا يعني أن رصدك لموضوع فيزيائي ما كالنجوم مثلاً لا يعتمد على حقيقة هذه النجوم لحظة انطلاق الضياء منها ، بل لحظة وصول الضياء إلى عينيك أو جهاز قياسك ، فأنت لا ترى وجود النجوم الحقيقي بل ترى الوجود الناتج عن تفاعلك مع الأثر الواصل من شعاع النجوم إلى نطاق أرصادك.

وكذلك لا ترى الزمن الحقيقي للنجوم ، بل ترى زمناً آخر ، نتج عن جميع التفاعلات التي طرأت على شعاع الضوء العابر للفضاء والذي وصل إليك ثم قمت بقياسته حسب واقعك الآني. وهذا يعني أن الزمن الحقيقي ، ليس هو الزمن المحلي ، وأن الزمن المحلي ، ليس إلا تداخل حقولك التآثرية الزمنية مع أشعة التأثير الممارس عليك من قبل المحيط ، وأي قطعة مادية أو سجل زمني في هذا المحيط ترصده ، لا وجود له إلا لحظة رصدك إياه ، نعم مصدره موجود ولكن أنت لا تستطيع الوصول محلياً للمصدر ، بل للأثر.

إن ما تراه شيء ، وإن حقيقة ما تراه شيء آخر ... أدرك هذه القاعدة لكي تفهم سائر النسبية والزمن.

هذا يعني أن الأفعال التي تمارس ضمن الواقع الفيزيائي تكون نسبية حتى لحظة تكون في زمن التفاعل وقبل الوصول إلى زمن النتيجة ، وهذا ما يسمى في الفيزياء الحديثة بـ"التأثير والتأثر = التآثر". فالتآثر هو أيضاً نسبي ، بمعنى أنه متغير  ، لا يعتمد فقط على نقطة الانطلاق ، بل على علاقاته بجميع التأثيرات الطاقية الأخرى التي يتفاعل معها لينشئ النتيجة النهائية.

واقعك المادي إذن ليس إلا آثار حركة موج البحر الفضائي ، أما الحركة نفسها فليس فيها شيء ثابت يمكن أن ينتمي للأرض المحلية. وصول تأثير جاذبية جسم ما على آخر يعني قطعه لمسافة وزمن ، الأمر الذي يحرف القيم الحقيقية لتأثير الجذب كما صدرت من الجسم ، وهذا التحريف يختلف في شدته ، ولا يمكن أن تعرف حقيقة المقدار الذي يمثله ضمن العلاقة الرياضية.

الزمن الذي ينشأ عن تجاربك الحسية وتجارب كوكبك الفيزيائية ، منفصل تماماً عن جميع الأزمنة الأخرى ، فعلاقة ( قبل - وبعد ) غير موجودة في الزمن الحقيقي أثناء التكوين ، ليس هناك قبل وبعد هناك تأثيرات تدخل على الحدث قبل تكوينه ، وتجعله يبدو وكأنه قبل شيء ما وبعد شيء آخر ، ولكن الحقيقة أن العلاقات التآثرية ليست تسلسلية وإنما تفاعلية.

إنه السرُ في وجود الزمن السالب ، والطاقة السالبة ، والكتلة السالبة ، والفضاء السالب ، وهو السر في مبدأ الارتياب ، والتشابُك الكمومي ، والتشابك الزمني ، كلها ، تعود لنفس العلة ، إنها : نسبية الوجود المحلي التابع لمُتغيرات خفية تجعلُ منه "مُحاكاة لها" غير آبهة بأي قيود. فما هو سرُ التآثر ؟ ما هو سرُ الحقول ؟ 

يتبع ...

المشاركات الشائعة