شجرة الموقع

السبت، يونيو 04، 2022

النماذج : المصفوفة التي تحكم العالم - العلة الماهوية الجزء الأول

 

النماذج : المصفوفة التي تحكم العالم :

الماهية والفيزياء والوجود

كل مكان في فضاء الكون ، يسمح بوجود الكائن أو الفايروس فيه بشكل سكوني ، وحينما يبدأ التآثر بينه وبين طاقة موجهة نحوه ، يبدأ بالظهور ... وقبلها كان الفايروس موجوداً ولا يحتاج إلى أصل بيولوجي ينتسبُ له.

فكر بجهاز الجوال خاصتك ، وبآلة الخياطة مثلاً ... عندما تقوم بتفكيكها إلى قطعها الأولية ، وتفكيك تلك القطع إلى المركبات الكيميائية والذرات التي تكونها. تماماً كمكعب مكون من 27 مكعباً أصغر منه منتشرة في 3 خانات في كل عمود من 3 أعمدة في كل صف من ثلاثة صفوف :



إن هذا المكعب لم يخلقه البشر ، ولم تخلقه أنت حينما صنعته ، كل ما في الأمر أنك جمعت المكعبات المكونة له في شكل هندسي مكعبي ، وعندما تفكر من أين جاء هذا الشكل ؟ لقد فعلت ذلك في الفضاء المحيط بعوامل جسمك ويديك ، هذا الفضاء يحتوي هذا الاحتمال ، وأنت جسدت الاحتمال حينما جمعت المكونات التي يقتضيها تجسد الاحتمال.

قوانين الفضاء الفيزيائية نفسها تسمح بمثل هذا الترابط الكُتلي ، الذي يشغر هذا النطاق الفضائي ، وبنفس الوقت ، وبغض النظر عن وجود كتلة أو عدمها ، بإمكانك تصور مثل هذا المكعب وهو موجود في أي مكان وأي زمان عبر الكون ، وكذلك بإمكانك تصور عدد لانهائي من الأحجام والألوان وهي صفات متغيرة تلحق بماهية المكعب ... أما المكعب نفسه بوجوده الهندسي فهو ثابتٌ عبر الفضاء.

حتى إذا لم تكن هنالك كُتلة تشغر الحيز الفراغي أمامك ، بإمكانك التعرف إلى أن وجود المكعب في حال تجمع أجزاءه وتركبها بالطريقة المناسبة هو وجود ممكن ، والإمكان هنا يعني أنه احتمال قابل للتحقق عندما تتوفر العلل والمقتضيات المناسبة ، ولن تحتاج إلى برهان تجريبي لإثبات إمكان وجود المكعب في الفضاء أمامك ، يكفي تصوره أو تخيله.

بمعنىً آخر ، وجود هذا المكعب أو أي شيء آخر في مجال الإمكان محقق بغض النظر عن رأي الفيزياء ، لأن الفضاء الذي يحتويه هو فضاء مجرد عن المادة ، يسمى بفضاء التجريد ، والعالم المادي بكل قوانين الفيزياء التي يحتويها هو احتمال واحد يشغر ذلك الفضاء ، من ضمن احتمالات لانهائية عن عوالم فيزيائية وغير فيزيائية أُخرى.

حينما يتم وضع خطة عسكرية أو اقتصادية ، يتم تمثيل الأحداث في نطاق فضاء افتراضي ، وكلمة افتراضي غير دقيقة هنا لأنه قابل فعلاً للتحقق التام إذا تجمعت مقتضياته وشروطه ، إنه نفس الفضاء الذي تحدث فيه المعركة ومسيرة الشركة والدولة ، ولكن اختلاف التطابق يعود لاختلاف تركيبة المكونات وتسلسلها.

الكشف عن فضاء التجريد

 وجود النموذج في عالم المادة لا يمكن إثباته دون اختبار مباشر للنطاق المادي الممثل لذلك النموذج ، وهذا الاختبار يسمى بالمعرفة المادية الحسية. ولكن وجود النموذج في فضاء التجريد ( المجرد عن المادة ) لا يمكن اختباره بالطرق المادية ، لأن الموجودات المادية تحكي عن تقييد مجال النموذج في مصاديق ، كل منها فرد وحيد في نطاق مادي محدد بإحداثيات محلية ( هنا والآن في هذا الموقع المحلي ).

يمكن اختبار الوجود الماهوي للنموذج بطريقة واحدة وهي (الإدراك  التجريدي ) ودون ذلك لا مجال لمعرفة النموذج ، حتى أن الشاغر المادي دون نموذج ماهوي ينتسب له فإنه يفقد معناه تماماً ، فإذا انتزعت مادة القلم من نموذج القلم لا يعود قلماً ، وحتى أن القلم في واقعك المحلي هو أيضاً نموذج ، لكنه يصدق على حالة منفردة حيث تم تقييد النموذج الأصلي بقيد المحل الذي يشغره ، فهو نوع من النماذج أيضاً ( المادة هي نموذج مكثف الوجود ومقيد الحدود ).

يجب أن تعلم أن النموذج نفسه موجود سواءً رصدته أم لم ترصده في عالم المادة ، وإن رصدك له مادياً يعني تقييد الطاقة التي تتفاعل معها إدراكياً بالنموذج الذي ترصده مادياً.

الفضاء التجريدي يحمل المكعب في جوفه ، ولكن تجسيد المكعب مادياً معتمدٌ على مقدار اهتمامك والطاقة التي تبذلها لأجل ذلك ومدى فهمك للنموذج الذي تريد تجسيده وما هي الأدوات والنماذج التي ستستخدمها من أجل عملية التجسيد. الوجود المجرد للمكعب يمكن اختباره بإدراك ماهيته الواقعة في فضاء التجريد ، وهذه العملية تسمى بالتعقل وتسمى النماذج بالمعقولات عند الحديث عنها من حيث معرفة الإنسان بها ، مقابل المحسوسات المادية.

أي نموذج تتخيله أو تتصوره موجود في فضاء التجريد ، ولكن وجوده المادي يستلزمُ مقتضيات إضافية لكونه مجرداً ، ولذلك ليس كل ما تتخيله أو تتصوره موجود في عالم المادة لأنه ليس كل ما تتخيله أو تتصوره مناسب لنموذج هذا العالم الذي أنت فيه الآن وهو جزء متناهي الصغر من فضاء التجريد ، فما تريده أن يتحقق ضمن عالمك يجب أن يصدق عليه نموذج عالمك وليس الأمر كذلك بالنسبة لما يفوق عالمك ويتخطى إحداثياته نوعياً.

ربما يعترض البعض على تقديم نموذج مجرد عن المادة في إطار علمي ، ولكننا في النهاية لا نناقش موضوعاً مادياً بحتاً ، إنما نناقش تكوين الكينونة الزمنية للإنسان وهي أمر يتجاوز حدود المادة ، ولا يوجد تلازم بين هذا الأمر وبين النموذج المادي للعالم ، وافتراض أنه محصور في المادة هو نوع من العقدية المتطرفة في مجال علمي محايد ، وقد يقول البعض كيف يمكن التحقق التجريبي من شيء غير مادي ، وهنا أجيب أن التجربة أصلاً لا تثبت ولا تنفي أي شيء ، إنما هي توفر طريقة لإدراك النموذج المادي إدراكاً عقلياً وتجريدياً وهناك يحصل التحقق والحكم ، فإنك لا ترى الجينات في كل لحظة تتحدث بها عنها ( على سبيل المثال ). وهذا هو السبب في تقديم البرهان الفينومينولوجي على البراهين التجريبية المختبرية في علوم الكينياء.

بقي شيء واحد لم نناقش موضوعه بعد ، ما هي الإحداثيات التي ينتمي إليها النموذج التجريدي اللامحلي ؟

الأبعاد التجريدية وعلاقاتها النسبية وطرق قياسها من هذا المجال المحلي :

في مثال المُكعب ، كان القالب الأكبر هو الشكل الهندسي المكعبي ، والقالب الجزئي الأصغر هو المكعب المحلي الذي ترصده في موقع محدد ضمن المحل ... إن قالب المكعب الذي ليس مقيداً بإحداثيات محلية يخضع لنوع آخر من الإحداثيات يمكن أن نسميه بـ"إحداثيات هندسية مجردة" أو رياضيات بحتة. حيث يكون البعد الثالث ذو قيمة رياضية تمثلها مجموعة الأعداد الكلية وكافة الدوال والمتغيرات الرياضية ، بينما يحتفظُ ببعدين فقط ، وهذا يجعل تحديد موقعه في عالم ثلاثي الأبعاد مستحيلاً ، لأنه منسوج بتكوين كل كائنة من كائنات البعد الثالث ، ولذلك لا يمكن تمثيله على ورقة ومخطط من هذا العالم ، لأنه يفقد انتماءه المكاني بفقدان تحديد محل ضمن المكان، إن هذا يجعل من المهم التساؤل حول ما تعنيه الأبعاد حقاً ، فالصورة النمطية للأبعاد تصورها وكأنها مجموعة خطوط متلاقية ، وهذه في الحقيقة مجرد مصاديق للأبعاد ، لأن البُعد هو قطر لفضاء التجريد يحتوي نوعاً معيناً من الاحتمالات ، إذا توفرت ثلاثة أبعاد بنفس الوقت فسيكون الاحتمال الذي يشغرها ثلاثي الأبعاد ، أي له وجود محدد بثلاث آفاق إحداثية.

إذا كان يوجد في أفق ما من هذه الآفاق الثلاثة بشكلٍ نسبي ، فإنه سيشغل محلاً محدداً من ذلك الأفق ، بينما يكون ممتداً عبر كامل الأفقين الآخرين ، التواجد محلياً ونسبياً في ثلاثة آفاق يولد المكان الذي نعرفه ، والتفاعل والتآثر بين الكائنات المحلية يجعلنا نرصد الزمن الذي نحيا به في عالم رباعي الأبعاد ( ثلاثة آفاق للوجود وأفق للتفاعل والعلاقات التآثرية مع الاحتفاظ بقيم نسبية ).

المكعب اللامحلي ينتشر في كامل الفضاء المحلي ولذلك يكون بُعدٌ واحدٌ على الأقل محرر القيمة بالنسبة له ، ولأنه مُكعب فسيحتفظ بتحديد قيمتين في البعدين الأول والثاني : قيمة النسبة الهندسية بين الطول والعرض والعُمق لا تعطي قيمة المكعب الفضائية وموقعه عبر الأبعاد ، لأنه حتى وعند تحديدها يبقى مجرداً وصادقاً في جميع الزمكان المحلي، وهذا يعني أن الأبعاد ليست هندسية بطبيعتها ( ليست مجالات لكميات متصلة أو فضاءات تحتوي إحداثيات ذات قيمة رياضية ) لأنها تترجم بتلك الطريقة حين إسقاطها على واقعنا المحلي ، الذي يحتاج إلى تمثيلها بيانياً بالورقة والقلم ومعالج الرسوميات، وخارج هذا الإسقاط، وحين إهمال البُعد الثالث ، لا يوجد قيم رياضية يمكنها توصيف البعدين الآخرين ولا يمكن إدراكهما على ذلك النحو ، ولكن يمكن إدراكهما دون تمثيل بصري محدد ...

إن وجود البعد الثالث يسمح بتقييد فضاء البعدين الآخرين تجريدياً بمجال فضاء البعد الثالث ، وهذا يعني شيئين : إن البعد الثالث هو الذي يجعل الكائنات محلية ومحددة بثلاث إحداثيات ، وإن البعد بشكل عام هو قيدٌ على الموجود.

أما عندما ترسم بالقلم دائرة وتقول عنها أنها ثنائية الأبعاد ولذلك عالمك أكثرُ رحابة من عالمها المحدود ، فهذا لأنك تعاملت معها على أنها ثلاثية الأبعاد حين احتسابك للبعد الثالث بالقيمة "صِفر" عندما قمت بنسب الدائرة إلى حجرتك أو إلى الواقع الذي رسمتها فيه ، عالم ثلاثي الأبعاد ، لا يمكن أن يقع فيه كائنٌ ثنائي الأبعاد ، لأن الأول مقيد والثاني مُطلق من هذا القيد.

فالبُعدين الآخرين للمكعب النموذجي هما بُعدان تجريديان ، الكائن المحدد بهما يصدق على كل النطاق في كل بعد من الأبعاد الأدنى منهما والتي هي قيود عليهما.

بما أن البعد الثالث هو المحل ، فإن المكعب يبقى مكعباً ذو ثلاثة أقطار ، والفرق الوحيد أنه غير مرتسم بالمحل ، علاقة القطع الهندسية المشكلة للمكعب هي علاقة بين كائنات مجردة لا تقيدها المادة المحلية ، وهذه العلاقة الموحدة لعناصر المكعب هي موجودة بالكامل في بُعده الثاني فقط ، حين تُدرك أن البعد ليس هو الامتداد الهندسي، وأن كل تركيب هندسي مكون من امتدادات تناسبية هو ثنائي الأبعاد ، ويصبحُ ثلاثياً عندما تحاول تمثيله في عالمك المحلي ، فيتحول النموذج الفضائي إلى نموذج جديد لا علاقة له بالقديم ، وهو نوع من "الانبثاق" وليس نوعاً من التركيب ، فالتركيب يحدث ضمن نفس مستوى الإحداثيات ، أما الانبثاق فسيقط مستوى إحداثيات ضمن مستوىً آخر لتتحول دلالات الإحداثيات الأولى إلى شكل إحداثي مناسب للمستوى الجديد.

هذا الأمر معروف جيداً ومنذ القدم في علم الخرائط ، حين يتم مثلاً إسقاط القبة السماوية على جهاز معدني قادر على احتساب مئات المهمات الفلكية مثل الاسطرلاب وكرة العالم والساعة الفلكية.

التشابك الزمني والنماذج :

يعيد هذا الموضوع فكرة "التشابك الزمني" إلى الذاكرة... حين إطلاق فوتون ضوئي نحو الفضاء لحظة انشطاره إلى فوتونين ، فإن كل فوتون سوف يتخذ سلوكاً مناظراً لسلوك الفوتون الآخر ومكملاً له ، وكأنهما كانا شيئاً واحداً وانفصل إلى نصفيه ، هذا الأمر معتاد الوجود في الفيزياء ويسمى بالتشابك الكمومي.

ولكن حتى ولو تم إنهاء الفوتون أ والإبقاء على ب ، ثم اشتبك ب مع فوتون آخر وهو س ونتج عن ذلك تحول ب إلى ف وارتباط مساره الزمني ب س ، فإن الفوتون س سوف يتحول إلى مسار زمني مطابق لمسار أ الافتراضي ، بمعنىً آخر ف"سيملأ نموذجه" وبذلك ، بقيت المعلومات الإرشادية الخاصة بالفوتون أ وانتقلت إلى الفوتون س ، واتخذ س بذلك نفس نموذج أ بالضبط ، وهكذا تجلى نموذج أ الزمكاني بمجرد أن عبرت فيه طاقة  مرة أخرى ... كما أن هذا النموذج ممتد على كافة أرجاء الفضاء ، ولا ينتظر إلا طاقة تحمل إرشاداً لتشغيله.

الفايروسات تعمل بنفس الطريقة ، إنها ليست موجودة في المختبرات أو في اللقاحات ، إنها موجودة في كامل الفضاء المحلي ، لأنها بالأصل ليست محلية ، ولكنها تظهر محلياً للراصد المحلي.

هذا الموضوع كان يشكل خطراً شديداً على نظرة المرء للواقع ، فهو يعني أن الأشياء لا تُخلق في هذا المستوى الإحداثي من الوجود ، ولا حاجة لتفسير انتواعها بإحالته إلى الرؤية التراكمية ضمن المحل ، وقوانين التطور ليست مأسورة في المحليات ، وقوانين الانتخاب الطبيعي لا تسري فقط على عالم المحليات.

إن العالم المحلي يغدو إذن مجرد أثر شبحي للحقيقة الكامنة وراءه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة