شجرة الموقع

الأحد، مارس 27، 2022

المَصفوفة الفيزيائية ... تجلّي الله في العالمين

كيف يعملُ الثابت برؤية الفيزياء وعِلم الاصطفاَف :

للثابت الفيزيائي ثلاثةُ أبعاد :

"قاعِدةُ المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الكَون بما هُو قوى فيزيائية لها واقعٌ محلي

"ساعية المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الفرعية للكَون

"قيمة المصفوفة" ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الغائية للكون

فالكون بما هو نظامٌ يسمَحُ بوجود "هذا النوع" من الحياة البايولوجية ، فإنها جُزءٌ من قيمة المصفوفة الخاصة به ، أن يتآثر الإدراكُ الواعي مع التكوين المحلي الواقعي عبر وساطة الجَسَد المادي ، وهذه القيمة التي حققها الكون في النهاية ، وهي ليست القيمة الوحيدة من انوجاده ، هي التي يلتَفِتُ إليها الباحثون التجريبيون ... أكره الاعتراف بهذا وللكن ، لقد أساءت فلسفةُ العلوم التجريبية للبشرية وللمعرفة أيضاً ، لأنها قوقعت انتباه الإنسان وحددتهُ بـ"دُرجٍ لغوي ميت"، وفوق ذلك يتمّ الترويج لها بأنها قِمّة الإنتاج البَشَري وما يصلُ إليه الإنسان ، ولكن الحقيقة ، إنها مُجرّد لغوٍ لا ينفعُ المرء والوجدان ، في الحياة الحق ، وليس ضمن نطاق زمني محدود.

من جِهة أخرى ، ليسَ الصحيحَ أن تَدرُسَ دقة وتصميم النُظُم الفرعية لمصفوفة ما ، وأنتَ لا تَملِكُ مفاتيح قاعدة المصفوفة ، فإنّك تنظر للخلية البيولوجية فتراها أكثر تعقيداً من أي جهازٍ يمكن اختراعه ومهما بلغت حجميته وتقانته ، حتى السفن الفضائية الخارقة للجاذبية ، وحتى آلات السفر عبرَ الزمن ، لا شيءَ منها يُمكن أن يُحاكي دقة الخلية الحية وتصميمها الهندسي الفائق ، والعلاقات المنتظمة بين عناصرها الفئوية وتكامُلِ وظائفهم لإنتاج الجسد المادي الذي يسمح بكل ما يسمح به كما تعلم ، ولكن ومهما بلغت التعقيداتُ المُدهشة للخلية الحية ، فإن غياب إدراكك لمفاتيح المصفوفة وقاعدتها الزمنية ، التي سمحت بالكون والخلايا الحية ، سيجعَلُ دخول الشك والارتياب أمراً سهلاً للغياية عند الإصغاء لصوت العقل المنطقي الاحتمالي ، يُمكنه أن يوجد لك ألف ألف احتمالٍ بديل ، وعوضاً عن تفنيد الاحتمالات واحداً واحداً ، وهذه الرؤية التجريبية الاستقرائية ، تستطيع ، رُدّ التصميم الفرعي إلى مفاتيح المصفوفة القاعدية ، وهي الثوابت الكونية التي تُنتِجُ كُلّ هذه الاحتمالات والأرصاد. حينها لا داعي للتَكَهُّن حول علة التصميم ، لأنّك ستكتشفُها برهاناً ويقيناً.

السؤال الحقيقي لأي باحِثٍ صادق : ما هو الجوهر الذي انبعثت منهُ قاعدة المصفوفة تلك الثوابت الكونية ، التي سمحت بالآفاق الزمنية التي احتوت كُلّ ذكرياتك بطولها وعرضها منذ طفولتك إلى هذا اليوم ، في عالم الخيال كما في عالم الواقع ، والأهم من ذلك ، توَحّدت مع وجدانك الحي ووعيك القيمي الفعّال.

عِلّة الثابت الكوني \ جوهَرُ المصفوفة :

المُستوى الذي يقع وراء قاعدة المصفوفة ، هو الجوهَر الحقيقي لها والذي تنبعثُ عبره كافة ثوابِت المصفوفة وتعقيداتها ، كما تعلَمُ من قوانين الفئاتِ المنطقية والرياضية ، كُلّ مجموعة أو فئة أو مصفوفة تنتهي في عُمقها بقاعدة من الدوال التي تُنظّم سعي العناصِر فيها ، وهذه الدوال لا تستقِلّ بوجودها المنطقي المُبرهَن ، ولا الفيزيائي المحسوس ، ولا الكُلّاني المُدرَك بكليته ، بل هي امتدادٌ لقوانين وقواعِدَ أكثرَ عُمقاً ، وأكثر بساطة ، لأنّ البساطة والأوّلية تَسمَحُ بفيض أكبر من الإمكانات ، فمفهوم الذرة البسيط يشملُ كُلّ ذرة ممكنة ، ومفهوم الإبريق البسيط يشمَلُ كُلّ إبريق مُمكن وكل مصفوفات الأباريق التي تحكم التعبيرت المختلفة لحالة "الإبريق" الأوّلية ... فكُلّما زادت البساطة اتضحت الرؤيا واتسَع الأفق والتأويل والتفسير ، هذا هو السبب الحقيقي ، أنّ المعادلات الأكثر أناقة أكثر تفضيلاً من قبل المجتمع التجريبي.

كثرَةُ الضجيج والأفكار ، تُعقّد الأمور وتمنعُ التفسير ... كثرةُ المعارف الطائشة عن مُختلف مجالات الحياة والعلم لن تُقدّم لصاحبها فهماً للعُمق والمبدَأ ، لمجرد الكثرة ، بل ، لابُد له أن يستوعِب قاعدة مجال الدراسة ، ثُمَّ يرُدها لأصلها في القوانين التي أنشأتْ مصفوفتها ... مِن حيثُ المبدأ ، ما مِن شيءٍ يمنَعُ أن تكون مصفوفة الظاهرة المادية بأسرِها ، بِكُلّ ما حَوَتهُ من أكوان واحتمالات وقوانين فيزيائية ، مُجرّدَ تعبير جزئي لمصفوفةٍ أكثَرَ عُمقاً في هياكِل الوجود ... إنّ رفضَ وجودِ مصفوفاتٍ أعمَق من المصفوفة المادية الظاهرة لهو تعصُّبٌ ديني واضح وشديد ، بل أكثرُ من ذلك إنه ، تقديمُ رؤية ذاتية بدوافِعَ نفسية ، على أحكام قوانين المصفوفات الوجودية ، التي تَمنَعُ اكتمالَ المصفوفة غير المُطلَقة ، أي مصفوفة محكومة بقوانين المنطق والتناقُض ، وحتى اجتماعُ النقيضين ، هي مصفوفة غيرُ مُكتمِلة وتفتقِر بذاتها لعِلّة وجودها الحق.

ستجِدُ دائماً أن نطاق المصفوفة التي تدرسها وتعكف على التفاعُل الحيوي معها ، محصورٌ في فضاء احتمالات مصفوفاتٍ أُخرى وراءها ، أكثرُ دقة وحكمة وانتظاماً ، وأعلى في نطاق الوجود ... وبانتقالك من مصفوفة البيولوجيا إلى مصفوفة الفيزياء والكون أو مجموعة الأكوان ، فإنّك تخطو خطوة لا بأسَ بها ولكن ستغدو مُجرّد شكليات لا قيمة لها إن أنتَ توقّفت عند حدود الفيزياء وعالمك المحلي.

لأنّ العالَمَ الفيزيائي لا يستطيعُ تبرير وجوده بعلة تنتمي إليه ، وسترى ما الذي أقصِدُهُ بالضبط قريباً بإذن الله ... ولكن انتبه الآن ، أنّ إحساس المرء المُستمر بهذا هو السبب الحقيقي في إيمانه بالله وبحثِهِ عن مخرج أو بوابة ما ينفذ عبرها ، إنّ الزّمان المحلي يفتَقِرُ في وجودهِ لعلّة أعلى من الواقع المحلي ، ليس وِفقَ نظرية أحجارِ الدومينو ، ليست المسألة أنّه يبدأ من نُقطة ليس قبلها محليات ، ثم تتعاقب المحليات بلا نهاية مُستَقِلّة عن تلكَ النُّقطة ، ذلك القول أشبه بالقول أنّ الرحمن اتخَذَ ولداً مُستقِلّاً بوجوده وكينونته عن الله ولم يعُد ، ذاتاً مُتصلة برحمة الله ... بل صار كائناً غَنِيّاً عن العلل التي تكوّن هيكَلَه ، لكنّ الحقيقة غيرُ ذلك بالطبع ... إنّ أحجارَ الدومينو هذه ، هي مُجرّد "تَحقّقٍ زمني" لمصفوفة القوانين الناظمة لترتيب المكونات التي دَخَلَت في الظاهرة ، وكُلّ حدثية فيها تشهَدُ بهذه الحقيقة ، إنها امتدادٌ لمصفوفة أعمق ، وإذا غاب حضور تِلك المصفوفة لأي سبب كان ، كانقلاب الطاولة أو انفجار المكان ، ستتلاشى الدومينو من الوجود ... إنّ الزمن المحلي وواقعهُ المادي ، وفي جميعِ النقاط المُمتدة على أفقه وعبر تاريخه ، هو "الحَدَثُ الظاهِر" للمصفوفة الأعلى والأكثَرِ تجريداً ، لأنه بما هو آثارٌ محلية ، وبردها لوحداتها الإدراكية ، فما هي سوى تعبيرات للتآثُرات والعلاقات الخفية الغير ظاهرة في المحل الفيزيائي ... هذه ليست نتيجة استقرائية تجريبية ، هذا واقعٌ لا مَفَرّ منه ، لا للعالِم ، ولا للجاهِل ... إلا إذا كان غافلاً ( عالماً كانَ أو جاهِلاً ).

وسترى مع تقدّم البحث الحيوي في حِكمَة الوجود ، أن المصفوفة الشاملة لكُلّ المصفوفات ، يَجِبُ أن تكون مُطلَقَة عن القيود التي تلحَقُ ببقية المصفوفات ، ووراء هذه المصفوفة ، تنتهي جميعُ المفاهيم التي تعرفها عبرَ الوجود الخارجي ، وتعود إلى جوهَرِ ذاتِك الحق.

فلو أنّك تسألُ الفيزيائي عن ثابت الجذب مقابل الكهربية (الثابت "إن") فسيقول لك أنه 10^36 أو قريباً منه ، فقوة الكهرب أكثر قدرة على الجذب من الكُتَل بعدد يكتب واحداً يمينه 36 صفراً ، وأن أي زيادة ، مهما كانت طفيفة في قوة الكهربية مقابل الجذب الكُتَلي ، ستجعَلُ تفاعُل القوتين في النسج المحلية غير متآلف ، فتصبح الكائنات الزمنية التي تنقل مجالات الكهارب غير متماسكة كُتلياً بالقدر الذي يسمح بذلك ، ستتبعثرُ مكونات النجوم قبل تشكيلها ، ولن تستطيع الدارات المحلية أن تحمل الطاقة الكهربائية الهائلة بالنسبة لها ، قوة الربط الكهربي بين الذرات ستمنع أي تفاعُلٍ مجدي.

كذلك هو الجَذب الكُتلي ، الزائد عن الميزان ، سيجعلُ النجوم تنكمش وتنهار أثناء ولادتها ، وستنحني أشعة الضوء ومجالات الكهرباء زمكانياً بتأثير طاقة الجذب عليها فلا يعود بالإمكان أن تنشأ أرصادٌ صحيحة لأي شيء ، حتى أقرب الأشياء التي تبعد ثليلاً من الأميال ستكون صورتها مشتتة بغض النظر عن وسيلة الرصد ، وستعصف الكهرباء بالكوكب فلا تعود الحياة ممكنة عليه بيولوجياً ، ستحترق الأشياء دون نار ظاهرة ، لن يكون هنالك دارات ممكنة الإنشاء بشرياً ، والتفاعلات الكيميائية بين العناصر ، وصولاً للدي إن إي ... ستُدمّر الأنظمة المعروفة تماماً.

الفهمُ الفيزيائي لهذه الظاهرة ، أن الكون الذي أنت فيه قد ( رَبِحَ ورقة السحب الكوني ) ، على اعتبار الناحية الرقمية المحلية لهذا الميزان هي مُنتهاه ، بينما الحقيقة ،  ما هي إلا توصيفٌ للإجراءات الآلية المحلية ، لظاهر الكون الفيزيائي ، توصيف للمُقارنات بين العلاقات الفيزيائية المرصودة بعدسات ومجاهر المختبرات ، هذه العلاقات والاقترانات للـ"آثار" التي تُنتِجُها قوى الفيزياء ، وليس للقِوى نفسها ، ليس لما يَحدُثُ حقاً ، توصيف يسمحُ باستخدامِ اللُغة العلمية الوضعية والتجارب التي تعتمد الآلات التي تعرفها عامة البشرية اليوم.

لقد تم السحبُ الكوني المزعوم من "فضاءِ الاحتمالات العَدَمي" لإمكانات اللانهاية ، والتي تشمَل إمكانات أُخرى مثل أن يكون الثابت السابق 10^10000 و 10^-10000 ، وجميعها كانَت ممكنة في ما سَبَقَ الكون ، لكنها ولسببٍ معين تَمّ إقصاؤها جميعاً فيما عدى هذا الكون الذي تعيشُ فيه ، ويحوم الجدل بين الفيزيائيين اليوم حول علة هذا الإقصاء ، هل هي الصُّدفَةُ البحتَة ، هل هي الأكوانُ المتعددة ، وقليلون تجرّؤوا نوعاً ما ليقول هل هي الخالِق ... السؤال الحقيقي هو : لما الاحتمالات الأُخرى لا تَصلُح وهذا الاحتمالُ يصلُح ، وليس "لماذا هذا الكون الذي بينَ أيدينا قد شغر نطاق ذلك الاحتمال الصالِح ... مِن أين تأخُذُ الاحتمالات أصلاً أحقّيتها وصلاحها لمهمة مُعينة ، مِن أين تأخذُ بُنيانها الفيزيائي المرصود ؟

وكأن المسألة تتحدد عبر الأرقام وبطاقات اليانصيب ، مع أن هذه الأرقام ، لا معنى لها على الإطلاق ، ولكنها صارت حُجّة يرددها مؤيدو مبدَأ الخلق دون تمحيص ، وأكثرهم كالببغاءات ، مع أنها في الحقيق تضرب جذورها بأعمق أعماق دارَ عقر المادية الساذجة ، والوضعية ، والعبثية والعدمية ... لأنها تفصِلُ الكون عن طبيعته المُطلَقة ، وتخبرك بأنه أرقام ومتجهات فيزيائية محلية تناسبية وعالم من الديجيتال ، معزولاً عن عِلّة تلك الأرقام والكائنات الفيزيائية المحلية ، فأصلاً الذرة وفق هذا الافتراض ، لا تكون شيئاً سوى المادة والأرقامِ المُعبّرة عن سلوكياتها وخارج هذا التوصيف لا توجد ذرة ، فكيف تجعَلُ من لواحقِ هكذا وصفٍ برهان على ما وراء المادة والمحليات ؟ لا يجوز أصلاً ، وقد وقع المؤيدون للخلق في حفرة الفخ الذي نُسِجَ حولهم بعناية حينَ ظنّوا أن العلوم التجريبية الوضعية قادرة على فهم المادة وهي التي تبرهن على الحقيقة وليست الحقيقة هي أصل العلوم ، ظنوا هكذا فالتبسَ عليهم الأمر وصاروا يخوضون معارك طاحنة لإثبات رؤيتهم من خلال معرفة ، لا يُمكنها إثبات أي شيء على الإطلاق ، وقائمةٌ أصلاً على المادية والعَبَثية.

البُرهان هنا يأخُذ مُنحنيين ، العلمُ والعمل ، فإنني لستُ أهتمُّ بالرد على أخطاء الملحدين والعلميين التجريبيين ، تلك الأشياء عفا عنها الزمن وما عادت تنفعُ الآن ، فالبُرهان في العرفان ليس الهدفُ النهائي منهُ الكَشفَ عن مفهوم الحقيقة ، فضلاً عن مجرد الإثبات المنطقي لها ، بل الاتحاد بتلك الحقيقة وتوجيه الزمن الكائني نحوها ، وتلك هي غاية الحياة ، وغايتك أيضاً ولكنك أحياناً قد لا تُبصِرُ جيداً.

التآثُر والتناسُب هو جوهر الفيزياء :

كما سَبق في شروح النسبية ، التآثُر هو جوهرُ المادة وكُنهها الحق ، وإنها ليست أي شيءٍ سوى تراكب التفاعُلات العقلية إلى زمنٍ محلي مُقيّد الأُفُق والتحقيق ، بقانون امتناعِ التناقُض ضِمنَ الطبيعي ... خارِجَ هذا الإطار ، لا توجَدُ مادة أصلاً بل هنالك أمورٌ أُخرى ... إنّ التناسُبَ هو علة اختلاف الليل والنهار وكل ما في الأرض ، وهو عِلّة السكون والحَرَكَة ، ومنهما جاءت جميعُ أزواج الطبيعة التي نعرِفها ولا نعرفها ... الأصلُ المشترك للعالَم الطبيعي هو الزمنُ نَفسُه.

الثابت ن "العلاقة بين الكهربية وجذب الكُتل" ليسَ مُجرّد أرقامٍ لا معنى لها ، أو توصيفاً لغوياً لسلوك الأحداث ، إنه العلة بذلك ... إن تلك المفاهيم المعرفية التجريبية جميعاً ، مُجرّدُ آثار مرصودة للعلاقة بين طائفتين من القوى "الكهربية والجذب الكتلي" ، آثارٌ تم قياسُها نحو وحدات قياسٍ يدخُلُها الارتياب ، واشتقت عبر هذا القياس والاستقراء الناقص مُعادلاتٌ شرحت معنى الثابت بلُغة رياضية فيزيائية ، إن الثابت ليسَ تلك اللغة نفسها ، إنها مُجرّد ترميز ضعيف لحقيقته الكُبرى.

الحقيقَةُ أنّ الثابت الكوني كمفهوم فيزيائي ، مُجرّد إشارة رمزية مُشفرة ملغوزة ، للثّابتِ الكوني ما وراء الفيزياء ، الذي ليس إلا "علاقاتٍ منظومة للكائنات العقلية" وكما أنّ الثابت الفيزيائي – وكُلّ ما في الفيزياء – يأخُذ علّة ظهوره المحلي من ماهيّته الأعلى من المستوى الظاهر ، فإنّ الثابِت العقلي يتعلّقُ بالهُوية الجوهرية للمعقولاتِ أيضاً ...

تَفاعُل الكائن الكهربي المُجرّد ، بما هو علّة توحيد غياب وحضور رؤية البرق ضمن الزمن المحلي ، أي هو البرق والصواعق المُجرّدة عن المحلية ، والتي تُشعِلُ الزّمن وتضيؤه ، يتحوّلُ محلياً إلى ظاهِرَة الكهرباء التي تم تجسيدها لتتفاعل مع كائنات ذات وجودٍ محلي مُقيّد بالكُتلَة ، والكُتلة هي عِلّة الثّقَل الحركي في الزمن المحلي ... وهكذا ، تُصبِحُ الكُتلَة حاجزة لقوّة الكهرباء بالنسبة للكائن المُقيد بالكُتَل ، وليس بالنسبة لعالَمِ المُجرّدات ... يرجِعُ الميزانُ الرياضي للعلاقة بين القُوّتين ، إلى الميزان السماوي في عالم العِلَل ، الذي يسمَحُ بهذه العلاقة بالذات في عالم المحليات ، لتكون هي قاعدة إنشائه ، مِمّا يحيلُ المحل إلى "معنىً" عقلي ، وأما الرقم المستخدم للإشارة ، فيمكن استبدالُه بأي رقمٍ آخر بتغيير الوحدة المعيارية ، لكنّ النسبة فقط هي التي تبقى ثابتة ، إنها العلاقة الطبيعية الانعكاسية بين القوتين ضمن عالَم المادة.

لا يختلفُ الثابت الكوني من نطاق أرصادٍ لآخر ، ولكن إن اختلف فما الذي يعنيه ذلك ؟ إذا اختلفت الأرقامُ والمُعادلات وبقي التماسك الكوني القائم ، فحينها لا معنى للمعادلات والأرقام ، ويكون هذا التماسُك معنىً سماوياً مُنعكساً على الأرض ، يشيرُ إلى القيمة من خلقها.

أما ، إن اختَلَفَت تلك المعادلات وزال التماسك والتوازن ، لابُدَّ حينها أنها مُجرَّد توصيفٍ لقيمة لم يحققها الاحتمال الكوني الذي اختلفت فيه عن السياق المناسب ... يُشير كوننا إلى أن اختلاف المُعادلات سيُفشل نشأة أي كون بما يسمَحُ بالحياة البيولوجية أو بتكون الأفلاك ، مع الأخذ بالاعتبار حقيقة هذه المعادلات والثوابت على أنها تَفاعُلٌ عقلي ، فإن أي احتمالٍ لا يَخدِمُ تجسيد ذلك التفاعُل يفشلُ في الاتصالِ معه ، ويَدخُل في نطاق تفاعُلٍ عقلي آخر ، والذي معه ، تختلِفُ نواميس الكون المحلي ، مِثلُ ذلك الكون ، مِنَ المُمكن برؤية التجريد ، أن يُحَقق المُعادلة الرياضية اسمياً دون أن يحقق القيمة النُظُمية منها ، كذلك ، ممكنٌ أن يكون كونٌ آخر ، مُحققاً لقيمة التفاعُل العقلي حتى ولو اختلَفَت مُعادلاتُه والكائناتُ والأشياء التي تشغَلُ حيزه.

نَفسُ الرأي تقرره ميكانيك الكموميات ، فتقول : هنالك احتمالاتٌ لانهائية لحركة الجسيمات والأمواج ، بِما يتضارَبُ مع ثبوت العلاقات ، وهذا يعني احتمالات لانهائية للمصاديق الفيزيائية لتلك الحركة ، شاملة مُعادلات لانهاية لها ، وثوابت وكائنات مختلفة لا تنتهي ... مِثلُ تلك الاحتمالات قائمةٌ أيضاً ولا معنى لوصفها بـ"معطلة" أو مُهملة ، لِجرّ> عدم انسجامها مع التصور الفيزيائي الذي بينَ يديك ...

الجوهر العقلي العميق للثابت الكوني الفيزيائي وللكائن المحلي ، يعني أنه وفقاً لآفاق العقل الكوني ، تنشَأُ احتمالات لانهاية لها للعلاقات العقلية ذات المعاني ، والتي تُنشئ كلٌّ منها حالات لانهائية من الكائنات والعلاقات ، ولكنها تشترِكُ جميعاً في الوحدة التكوينية ، إنها العلاقة الناظمة ، والتي تُحَدّد الاحتمال الصائب من الفاسِد في كُل علاقة ، بدأً من العلاقات الكُبرى "كالعلاقة بين الكهرَب والجذب الكتلي" وحتى أدق العلاقات وأكثرها هامشية "طريقة توضيب الوسادة بالشكل المُريح" كُلها "تعبيرات وظهورات" محلية مادية ، للقيمة الناظمة للعلاقات في عالم المُجَرَّدات.

قاعدةُ المصفوفة الكونية التي نشأت عن تفاعُل القوى الأربعة الكبرى وما تبعها من ثوابت ، هي تحقيق لتفاعُل عناصِر مصفوفة أكثر كُلية منها ، والتي توصَفُ بتحرّرها من قيد المحل ، فتكون الأرقام في ذلك الوجود ، غيرَ مقترنة بحدثيات وكائنات محلية منفردة ، أي أن الواحد هناك لا يشير إلى قلمٍ فيزيائي أرضي ، والاثنان لا يمكن أن تنحصر قوة معناه بالإشارة إلى شخصان جالسان معاً في مكانٍ محلي بجسدين محليين.

فالمُعادلاتُ التي تنطبق على هذا الواقع المحلي ويُمكِنُ من خلالها حسابُ احتمالات وقوع أحداثٍ محلية ، تغدو هناك تقريباً مُنعدمة المعنى ، بالأحرى ، تبدو كشخص ناظر نحو إصبعك الذي تشير به للقمر ، فإنّ إصبعك موجود للناظر كجسم يعكِسُ نور القمر الذي يضيء إصبعك ، ويضيء الكثير من الأشياء الأُخرى حولك ... لكنّ نفسَ القَمَر لا يتحدّدُ نوره أو ضياؤه بمقادير تحمّل الأجسامِ على الأرض له.

وكذلِكَ المعاني الفيزيائية التي اعتدت التعامُل معها منذ ولادتك ضمن هذا النطاق ، كذلك هي كما الأرقام ، مُقيّدة بمحليتك ومحلية نطاق رصدك الحسي ، ووراء هذا النطاق المُقيد ، يكونُ القَلَمُ والإبريق والحاسوب ، كائناتٍ غيرَ محلية ، زمنها ليس تسلسُلاً من الأحداثِ المحلية ، النقيضين في عالم المحليات شيء ، والنقيضين في عالم التجريد شيءٌ آخر ، ففي عالَمِ المحليات لا يكون نَفسُ الحاسوب في غُرفَتك وفي الغرفة المجاورة بنفس الميقات الزمني ، نعم يُمكنُ أن يكون البرنامجُ نفسُهُ موجوداً في عدة أمكان بنفسِ الميقات للراصد ، لأن البرنامج نوعٌ من التجريد ، ولكنّ حاسوبك الذي يحتوي صورَك ، ورسائلك ومشاريعك وموسيقاك ، والذي تعرّضَ لصدمات لها تواريخ معروفة لك ، والذي تضعُ عليه علامتك الخاصة ، ويحمِلُ بصماتك الخاصة ، وبكامِلِ تكوينه النسيجي بكل ما حواه ، لا يتواجَدُ في مكانين بنفس الميقات.

وإذا حَدَثَ المستحيل وصممت حاسوبين متوافقين تماماً من حيثُ التاريخ والمحتوى والنسيج الحالي ، ووضعتَهُما في مكانين مُختَلِفين ، فإنّ هنالك مقداراً معيّناً ينتهي بعدهُ التشابُه ، لأنّ دخولهما في مكانين مختلفين ، حتى ولو كانا في نفس الغُرفة ، سيجعَلُ كُلّاً منهُما يتفاعَلُ مع مؤثرات مُختلفة قليلاً أو كثيراً ، تجعَلُهُ ينحرف عن النسخة الأصلية ... ومن المستحيل حدوث التطابق التام بين كائنين محليين بالنسبة لراصِدٍ محلي ، ذلك مُستحيل فقط ضمن إطار الفيزياء المحلية ، لكن ليس ضمن إطار "الفيزياء التجريدية".

في عالمٍ مُجرّدٍ عن قيد المَحَل ، ينتَشِرُ الحاسوب العقلي عبر كافّة آفاق الكون المحلي ، بِنفسِ الميقات بالنسبة لراصدٍ غير محلي ، مِثل هذا الكائن المُجَرّد ، يُمكِنُ تحقيقه بتكرار لانهائي من النُسخ المحلية ... إنّه موجودٌ على امتداد الكون المحلي وأينما ذهَبت ، ولكنّ قيود الوقائع المحلية الأخرى التي تحققت ضمن زمَنِكَ ستمنَعُك من الالتفاتِ إلى ذلك ، فالفضاء الهندسي الذي أمامك الآن والذي تسبَحُ فيه يدُك وهذا الكتاب ، هو نفسُه الفضاءُ الذي يَسمَحُ بوجود أي حاسوب من أي نوع ، بل بوجود أي كائنٍ محلي من أيّ نوع ، إنّه القاعدة الهندسية التي يُبنى عليها العالم المحلي الذي أمامك.

لكنّك لا تقيس الفضاء من حيثُ هندسته ، بل مِن حيث محليته ومُحتوياته التي تعرفها ، ولذلك تستنتِجُ البشرية تلك القوانين العاجزة عن فهم ما يَجري حقاً ، الحقيقةُ أنّك تسبَحُ في فضاءِ المعقولات باستمرار ، وهي تُحيطُكَ من كُل جانب ، وهكذا يقوم المُختَرِعُ بكشفِ احتمالٍ ضمن الفضاء الهندسي التجريدي ، ومن ثمّ يحوله لواقعٍ محلي فتنشَأ الاختراعات والتكنولوجيا ، هي نفسُ طريقة الساحر الذي يتخيلُ الحالة السحرية ضمن هذا الفضاء وفق ما تسمَحُ به قوانينه التي استطاع الساحِرُ أن يدركها بعمق أكبر من المخترع ، لأنّه تجرد عن كثيرٍ من القيود التي تفرضها العلوم والواقعية دون أن يعترف بها الفضاء الهندسي ، وبهذا الإدراك ، يُقرر أن يُخرِجَ مكنوناً شريراً ضمن أُفُق الفضاء ، يسميه الشيطان ، ليُحقق له أحداثاً تتناسَبُ مع رَغَباته الشريرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة