شجرة الموقع

الثلاثاء، مايو 24، 2022

المنطلقات الإدراكية لعلم الفيزياء | [ نسبية الزمن المُدرَك - الجزء الأول ]

إن قياس أي قيمة فيزيائية لموضوع محلي ، لا يتم إلا بإسناده لشبكة من العلاقات مع مواضيع محلية أخرى ، وقياس علاقاته مع بعض تلك المواضيع إلى علاقات أخرى تعتبر أكثر "ثباتاً ومعيارية".لو افترضتَ وجود موضوع محلي ليس له أي علاقات ، لن يكون كذلك له أي معنىً واقعي محلي لأي خاصية فيزيائية فيه ، لن يكون هنالك أي أحداث ترتبط به ، لا تاريخ ، لا حركة ، "لازمن محلي ولا وجود" ، فقط تخيل نُقطة ما، تُشكل عالماً معزولاً قائماً بذاته ، وستُدرك سريعاً أن ما تتخيلهُ ليس إلا "العَدَم الفيزيائي المُطلق" الذي لا خصائص له ، ولا وجود زماني محلي ، فهو خارج نطاق الفيزياء كما تعرفها ، لأنه خالي من "التآثر" فهو بلا قيم فيزيائية ( بلا علاقات تقيده ) فهو إذن ، ليس كائناً محلياً.

إذا تسارعت كل الحركات الفيزيائية لمختلف الموضوعات ، ضمن نظام فيزيائي ، سواءً كان مُغلقاً أو مفتوحاً ، بنفس القدر الرياضي ، فلن يختلف أي شيء ، بعبارة موجزة لن يكون هناك معنىً لذلك ، وليس له وجودٌ في الواقعة الفيزيائية أصلاً ، لأن القيمة الرياضية للسرعة هي "نسبة سرعة موضوع معين إلى موضوع آخر وإلى بقية المواضيع". فأنت ثابتٌ نسبياً أمام الشيء الذي تقرأ منه أو تستمع الآن له ، مُتحرك بالنسبة للشمس بسرعة تفوق توقعك ، متحرك بالنسبة لأندروميدا بسرعة تفوق تخيلك ، قِس على ذلك كل القيم الفيزيائية ، الحجم ، الكُتلة ، الكثافة ، الزخم ، العزم ، الاتجاه ، القوة الكهرومغناطيسية ، القوة النووية ، الجاذبية ، الانتروبيا ، الطاقة السالبة ، المادة المُظلمة وكلُّ ما تشاء. غياب نسبية الموضوع الفيزيائي أو صفة معينة له، وتحوله إلى موضوع مطلق ، يعادل معنوياً فناء ذلك الموضوع ضمن العالم المادي ومستوى الإحداثيات المحلي ودخوله في عالم ليس فيه فيزياء ولا موضوعية خارجية.

شرط تحقق قياسات الفيزياء هو أن يكون موضوع الإدراك محلياً وخارجياً وعاكساً للقوى على الحواس الراصد أو أجهزة الرصد ، وشرط المحلية والخارجية ، أن يكون الموضوع الفيزيائي نسبياً في علاقاته ، حتى يتسنى للراصد تحديده بزمكان معين بالنسبة للكائنات الزمكانية المحلية ، وكل موضوع ليس له علاقات نسبية يمكن من خلالها قياسه إلى كائنات زمنية أخرى هو موضوع خارق لمنطق الفيزياء ولا يحتمل في دراسته مناهج التجريب الوضعي المتعارف عليها.

وسأضرب لك الآن أمثالاً واضحة :

النسبية مُنطلق لإدراك الزمن الغيابي :

إذا فهمتَ الزمن المحلي على أنه "النتيجة اللازمة عن الحركة التفاعلية المحلية بكل أشكالها" ، فستُدرِك أن النسبية ليست نسبية زمن فقط ، بل هي أيضاً نسبية المكان ، الكُتلة ، الحجم ، التماسُك ... هي نسبية الثوابت الكونية ( بما فيها سُرعة الضوء ) ، هي نسبية كل شيء فيزيائي تعرفه ولا تعرفه ، إنها نسبية الواقع المحلي نفسه ، ولأنه نسبي كانت حركته نسبية وكان زمنه نسبياً.

جميع الكائنات المحلية تعامل كأنسجة للحقول الفيزيائية العليا لحظة قياسها ، و عندما تكون الكموم محلية ( وهي ليست كذلك إلا حيثُ رُصدت أو حُسب تأثيرها ) فسوف تخضعُ لكل ما ذُكِر لك للتو. وهذا هو السر في إمكانية تحول الكُتل إلى طاقات ، والطاقات إلى كُتل ، والفضاء إلى شاغر ، والشاغر إلى فضاء.

نسبية الواقع المحلي تعني أنه قائمٌ على الكثرة في العلاقات ، ولا يأخذ شيء فيه أي هوية إن لم يكن له كثرة في العلاقات وكلما قلت تلك العلاقات كان الكائن أبعد عن القدرة على رصده محلياً.

كثرة العلاقات النسبية تعني أن الكائن لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن إطار اعتبارات تقيس قيمه الفيزيائية المحلية إلى قيم فيزيائية لبقية الكائنات المحلية ، فلا يوجد الواقع المحلي إلا لحظة وجود التعدد في تركيب الكائن الزمني وتركيب المستوى الوجودي الذي ينتمي له هذا الكائن ... وهذا المستوى يسمى في النسبية : "الفضاء الزمكاني رباعي الأبعاد".

ولأن القيمة الفيزيائية وحساباتها لا تكون فقط في مرحلة الكائن الزمني المحلي وهو موجود على أرض الواقع المحلي ، بل أيضاً في عملية التكوين التي أدت لوجود الكائن الزمني ، فستكون عملية التكوين نفسها نسبية أيضاً وإلا لما أمكن وجود كائن محلي نسبي من أسباب مطلقة.

وبمعنى آخر ، الأسباب التي أوجدت القيم الفيزيائية لهذا الكائن المحلي هي أسباب نسبية ، تعتمدُ على واقع نسبي لا يمكن فيه للأسباب والأفعال أن تأخذ قيم تأثيرها إلا بالاعتماد على العلاقات التي تربطها معاً وكلما تحررت من ترابطها معاً تتحرر الأسباب من القيود المحلية وتتحرر نتائجها من الأجساد المحلية. ذلك التأثير النسبي المقيد ببقية التأثيرات هو التفاعل الزمني الحقيقي الذي سيؤدي في النهاية إلى إنتاج الكائن المحلي ، وبما أن هذا التفاعُل نسبي ، فليست القياسات التي تجرى على المكان فقط نسبية أي ليس فقط وجود الكائن أو التأثير ضمن المستوى المحلي لحظة الإنتاج والرصد نسبياً ، بل إن التفاعل الذي يسبق تحول شعاع التأثير إلى أثر فيزياء ممارس على الواقع ومرصود بالجهاز ، هو أيضاً نسبي ، وهنا تأتي نسبية الزمن الحقيقية التي قلما تجد من يفهمها أصلاً كي يشرحها.

فالسرعة لحظة قياسها تنتسب إلى سرعات أخرى معروفة جيداً ، فتكون سرعة السيارة كبيرة بالنسبة لرمي الحجر ، ولكنها صغيرة بالنسبة للطائرة والكوكب والمكوك الفضائي ، هذه نسبية السرعة لحظة تجسدها واقعياً ، ولكن آينشتاين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ... فزمن "التكوين" الذي أنتج سرعة شيء ما ، لم يفعل ذلك بطريقة شعاعية ، ولذلك لا يمكن للسرعة نفسها أن تتوافق تماماً في لحظتي رصد ، ولا يمكن لسرعتين أن تتطابقا تمام التطابق ، ولا يمكن لأي قياسين أن يكونا طوبقين تماماً، بعبارة أدق : لا وجود للمقاييس أصلاً ، يوجد فقط علاقات تآثرية تسهم في تكوين الواقع المرصود.

فليس هنالك زمن ثابت لكل الراصدين ، كالثانية والدقيقة الافتراضيان ، ولكن هذه الثانية لا تضطرب في الظروف الاعتيادية اثناء قياسها لأنها تحافظ على العلاقات الأساسية المسهمة في تكوينها ، مما يجعل الجميع يرصدها بنفس الدقة ، ولكن أثناء الرصد الدقيق جداً بالنسبة للطرق الكلاسيكية ، يمكن أن ترى أن الثانية لا يوجد فيها أي شيء ثابت ، وهذا يعني أن رصدك لموضوع فيزيائي ما كالنجوم مثلاً لا يعتمد على حقيقة هذه النجوم لحظة انطلاق الضياء منها ، بل لحظة وصول الضياء إلى عينيك أو جهاز قياسك ، فأنت لا ترى وجود النجوم الحقيقي بل ترى الوجود الناتج عن تفاعلك مع الأثر الواصل من شعاع النجوم إلى نطاق أرصادك.

وكذلك لا ترى الزمن الحقيقي للنجوم ، بل ترى زمناً آخر ، نتج عن جميع التفاعلات التي طرأت على شعاع الضوء العابر للفضاء والذي وصل إليك ثم قمت بقياسته حسب واقعك الآني. وهذا يعني أن الزمن الحقيقي ، ليس هو الزمن المحلي ، وأن الزمن المحلي ، ليس إلا تداخل حقولك التآثرية الزمنية مع أشعة التأثير الممارس عليك من قبل المحيط ، وأي قطعة مادية أو سجل زمني في هذا المحيط ترصده ، لا وجود له إلا لحظة رصدك إياه ، نعم مصدره موجود ولكن أنت لا تستطيع الوصول محلياً للمصدر ، بل للأثر.

إن ما تراه شيء ، وإن حقيقة ما تراه شيء آخر ... أدرك هذه القاعدة لكي تفهم سائر النسبية والزمن.

هذا يعني أن الأفعال التي تمارس ضمن الواقع الفيزيائي تكون نسبية حتى لحظة تكون في زمن التفاعل وقبل الوصول إلى زمن النتيجة ، وهذا ما يسمى في الفيزياء الحديثة بـ"التأثير والتأثر = التآثر". فالتآثر هو أيضاً نسبي ، بمعنى أنه متغير  ، لا يعتمد فقط على نقطة الانطلاق ، بل على علاقاته بجميع التأثيرات الطاقية الأخرى التي يتفاعل معها لينشئ النتيجة النهائية.

واقعك المادي إذن ليس إلا آثار حركة موج البحر الفضائي ، أما الحركة نفسها فليس فيها شيء ثابت يمكن أن ينتمي للأرض المحلية. وصول تأثير جاذبية جسم ما على آخر يعني قطعه لمسافة وزمن ، الأمر الذي يحرف القيم الحقيقية لتأثير الجذب كما صدرت من الجسم ، وهذا التحريف يختلف في شدته ، ولا يمكن أن تعرف حقيقة المقدار الذي يمثله ضمن العلاقة الرياضية.

الزمن الذي ينشأ عن تجاربك الحسية وتجارب كوكبك الفيزيائية ، منفصل تماماً عن جميع الأزمنة الأخرى ، فعلاقة ( قبل - وبعد ) غير موجودة في الزمن الحقيقي أثناء التكوين ، ليس هناك قبل وبعد هناك تأثيرات تدخل على الحدث قبل تكوينه ، وتجعله يبدو وكأنه قبل شيء ما وبعد شيء آخر ، ولكن الحقيقة أن العلاقات التآثرية ليست تسلسلية وإنما تفاعلية.

إنه السرُ في وجود الزمن السالب ، والطاقة السالبة ، والكتلة السالبة ، والفضاء السالب ، وهو السر في مبدأ الارتياب ، والتشابُك الكمومي ، والتشابك الزمني ، كلها ، تعود لنفس العلة ، إنها : نسبية الوجود المحلي التابع لمُتغيرات خفية تجعلُ منه "مُحاكاة لها" غير آبهة بأي قيود. فما هو سرُ التآثر ؟ ما هو سرُ الحقول ؟ 

يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة