شجرة الموقع

الأربعاء، مايو 25، 2022

أصول البشر لا تتعلق بالجينيوم والشمبانزي لا يمت لهم بصلة | حقائق صادمة من علم الجينات

1.    كامل مقدار الجينات والنيوكليوتيدات \ مسائل علم الأنساب :

 

لتعلم أن الجين الواحد يتكون من 1000 زوج نيوكليوتيدي كمعدل الوسط ، باستثناء بعض الجينات القليلة الأكبر بكثير أو الأصغر بكثير ، من بينها الجين الأطول الخاص بوظائف العضلات وهو بطول 2200000 زوج نيوكليوتيدي ، وقلة من جينات أخرى تزيد أطوالها عن العشرة آلاف نيوكليوتيد وتصل بضعة منها إلى أكثر من مئة ألف ،

بما أن الجينات ذات الترميز البروتيني لدى البشر تقدر بحوال 25 ألف جين ( لاحقاً 19200 ) ، فسيكون الناتج :

1000*25000=25000000 (25 Mbp)

وهو عدد الأزواج النيوكليوتيدية التي تؤثر مباشرة على التكوين الجسدي، في المقابل سيكون هنالك احتساب للجينات التي تحظى بكميات هائلة من تلك الأزواج كعوامل إضافية ، يمكن تقدير كل شيء بحوالي الضعف ، أي هنالك 50 Mbp رغم أن بعض التقديرات تحاول رفعه إلى 100 Mbp.

بينما يكون مقدار الجينيوم المعلوماتي أكبر بكثير :

3400000000 bp = 3400 Mbp = 3.4 Gbp

وذلك يعني أن نسبة الجينيوم الذي يرمز البروتين تساوي أقل من 3% من نسبة الجينيوم الكلي وقد تصل إلى1.5% أو أقل (في الحقيقة وصل تقديرها المعتمد الأخير إلى أقل من 1%).

ذلك هو عدد القواعد الوراثية الكلي في الحمض النووي ، وتلك أنسبة توزيعها الصحيحة ، وأما عدد النيوكليوتيدات داخل وخارج النواة فهو غير ذلك ، فهناك أيضاً الحمض النووي المرسال  RNAوالجين النووي القافز ، وهنالك كميات مضاعفة منها في محيط الخلية ترتبط بالفوسفات وتنتجها أشياء أخرى داخل الخلية كنوع من الوقود المختزن ، الذي لا يحتاج لأكثر من حرقه أو تكسير روابطه لتتحرر الطاقة. وتبلغ الكمية الكاملة حوالي مئات النيوكليوتيدات ، وذلك يشمل الجينات النواة ( المرمزة بروتينياً والتي لا ترميز بروتيني لها ) و كذلك التي تطوف حول نواة الخلية.

كيف تم احتساب عدد قواعد النيوكليوتيد ؟ الأمر بسيط وليس معقداً ، ففي مقدار معين من الطول الذي يستطيع المجهر رصده ، يمكن احتساب كمية تلك الجزيئات وفق ما تقوم به من تفاعلات وتوزيع تلك الكميات على أبعاد العينة المختبرة ، والنتيجة التي ستصل إليها أن كل 10 يوكليوتيدات متصلة يكون طولها قرابة 34 أنجُستروم ( ما يعادل 34 جزءً من أصل عشرة مليارات من المتر أو :  ) فيكون مليار زوج نيوكليوتيد مساوياً لثلث المتر تقريباً وباحتساب عوامل معينة وبما أن طول الشريط النووي للخلية البيولوجية متران ( تقريباً ) وفق معادلات توزيع المقادير الكيميائية للجزيئات المعنية ، فسيكون عدد الأزواج الجينية مقارباً 3.3 مليار.

ليست كل الكائنات كذلك ، ففي الذرة هناك ما يقارب 100 مليار نيوكليوتيد قاعدي ضمن نواة الخلية  100 Gbpبينما في بعض الجرذان هنالك 8 مليارات (8.5 Gbp) وفي قنفذ البحر هنالك 32 Gbp وقد وصلت بعض الكائنات الحية إلى  228 Gbpمن الحمض النووي وهو ما يعادل الحمض النووي البشري أضعاف المرات ، لو كان هذا الحمض النووي متوارثاً من الكائنات الأخرى فلا يجدر به أن يظهر بهذه الطريقة غير الطبوقة.

تكون المسألة أشد ما يكون لها من الوضوح في كائن بدائي جداً  ضمن سلسلة التطور وهو الأميبا دوبيوم Amoeba Dubium والذي يصل مقدار معلوماته الوراثية وفق بعض التقديرات إلى 670 مليار زوجاً نووياً قاعدياً (670 Gbp) وهي تعادل تقريباً مئتي ضعف الحمض النووي للإنسان، رغم بعض الشكوك في دقة الرقم ، ولكنه بالتأكيد يشير إلى زيادة فائقة. ذلك يشير بدقة إلى نتيجتين لابد منهما :

·        أولاً : لا علاقة لطول الحمض النووي بتراكم المعلومات عبر الأجيال التطورية.

·        ثانياً : طول الحمض النووي لا يزيد من مدى التطور الحيوي للكائن ، بل على العكس ، كلما كان الحمض النووي أقصر كان الكائن الحي أكثر تطوراً أو ارتقاءً في وظائفه الحيوية نفسياً وجسدياً ، ويبدو وكأن هذه النيوكليوتيدات ولسبب ما ، تعمل عمل القيود على الكائن ، التي تربطه بمحيطه وتمنعه من اختراقه نحو مستويات أعلى من سلم الارتقاء.

إنها لا تبدو ميزة على الإطلاق ، أن تمتلك حمضاً نووياً كبيراً وهائل الكمية ، بينما تعجز عن امتلاك أبسط متطلبات التفاعل الحيوي الذي يرضي النفس.

2.    التشابه بين الشمبانزي والإنسان :

1)     التحقيق في مسألة التشابه ...

تروج كثيراً تلك العبارة "الشمبانزي يتشابه مع الإنسان بنسبة 98% وأحياناً 99%" ... أغلب من يكررها هم في حقيقة الأمر ، لا يدرون ما يفعلون.

والأغرب أن أحداً من أكثر الناس أو أكثر المختصين الذين يرددونها ويتأثرون بها لم يكلف نفسه عناء البحث.

فهذه الأقوال ليست علماً دقيقاً ، وهي أقرب لنوع من الأدب الإعلامي الشعبي الذي يحجب الحقيقة بإعادة تأويل المعطيات.

كما علمت سابقاً يتكون الشريط الوراثي لدى الإنسان من 3 مليار زوج نيوكليوتيدي على الأقل ، ولكن المسوح الالكترونية التي جرت في التسعينات تمت على شريط قدره 1 مليون نيوكليوتيد فقط، وقد حددت المناطق الأكثر وضوحاً للشريط الوراثي بارتباطها بتعبير بروتيني وبذلك تم تقليص عينة المقارنة لحدود 25000 جين.

اختلاف بنسبة 0.1% في التطابق الجيني للترميز البروتيني بين فردين من أفراد الكائنات الحية، يعني الاختلاف في أقل من 50 Kbp أَي خمسون ألف زوج نيوكليوتيدي ، هذا الرقم كبير بالنسبة للخبرات البشرية المحدودة ، ولكنه لا يكفي للتحقيق في الأنساب ، ولا يكفي في التحقيق الجنائي ، لذلك ، يلجأ المعمل الجنائي إلى فحص قطع من كامل الجينيوم البشري ، وتعتمد البصمة الجينية على عينات من الجينيوم اللاكودي تماماً كما تعتمد الجينيوم الكودي ، بهذه الطريقة ، لا يكون التشابه الجيني الحقيقي بين إنسان وآخر 99.9% ، أحياناً قد يكون أقل من ذلك بكثير. وحتى فرق 0.1% يختلف نوعياً حين يحسب على طول الجينيوم الكامل ، وليس فقط على الجينات التي ترمز البروتين ، وكذلك الأمر مع الشمبانزي.

بالنسبة للقرد والشمبانزي ، لم يتم قياس التشابه الشهير بنسبة 98% بين الناس والقردة بنفس الطريقة التي تقاس بها الأنساب الإنسانية ضمن النوع البشري. لم يتم اعتماد كامل الجينيوم البشري والقردي ، لقد تم اللجوء إلى 25000 جين مبدئياً فقط، وهي نسبة غير معتمدة ولا تعطي أهمية حقيقية للأصول المزعومة. وحينما تم تكبير النسبة لتصبح 40000 صار الفرق 11-14% والتشابه 86-89%.

تم تعيين الجينات المرتبطة بالبروتينات فيما بعد لتكون ذات وظيفة ، وبقية الجينات ... حسناً، لنقل أنها "خُردة" هكذا صرحوا ، لأن الجسم مؤلف من بنيان بروتيني، فلابد إذن أن ما لا يتعلق بالبروتين بشكل واضح أمام المجهر، لا يتعلق بالجسد، وبالتالي، لا يتعلق بالإنسان من حيث وظيفيته.

ولذلك، يلجأ المحققون والمعمليون إلى تحليل ما يسمى الـ"Junk DNA" ، حيث تتلاشى التشابهات الكبيرة بين الناس، وتظهر السلالات بشكل صحيح أكثر، ومع ذلك، يتم إهمال هذه الجين اللاوظيفي – حد زعم الدارونية الحديثة – عندما تتم مقارنات شجيرات الأنواع.

من المهم ذكره أيضاً ، أن الشمبانزي لا يتشابه مع الإنسان بتلك الكمية الكبيرة من الجينيوم ذو الترميز البروتيني ( المقدرة ب98% أو 99% ) ، فهذه أيضاً مجرد إحصائية محددة أجريت في زمن محدد، وليست حقيقة مطلقة. هنالك إحصائيات أرجعت النسبة إلى أقل من ذلك ، بعضها إلى 96% وبعضها إلى 90% وبعضها 83-89% وهي النسبة الأكثر دقة حتى الآن، وحتى أنها وصلت إلى 70% في بعض الأحيان ، وذلك بحسب خوارزميات البرنامج المستخدم للمقارنة التفصيلية ، والطريقة المتبعة في المقارنات ، وأنماط التعقيد الجيني التي يتم أخذها بعين اعتبار في المقارنة.

وأغلب الإحصائيات الجديدة المخالفة للصورة الإعلامية العريضة، جاءت بعد تلك الصورة وبأجهزة وطرق أحدث في الظهور ، كحُكم محايد وموضوعي حقاً ، لا أجد أي تبرير منطقي لاستخدام إحصائية معينة ، وقديمة ، وترك بقية الإحصائيات الموثقة والتي قام بها رجال علم أيضاً ، فقط لأن الإعلام يدعم لسبب مجهول تلك الإحصائية الشهيرة ويغض النظر عن كافة النتائج المعارضة لها.

وأخيراً وحتى وإن تحقق التشابه المزعوم تماماً ، فذلك شيء ، والأصول الجينية شيء آخر ، لأن الأصل الجيني لا يعتمد فقط على البروتين المرمز والجينات التي تحكمه فعلى سبيل المثال، الفأر المخبري يتشابه مع الإنسان بنسبة 99% في الجينيوم الوظيفي وهي أكبر من نسبة التشابه مع جينيوم الشمبانزي قطعاً ، الموزة أيضاً بنسبة 60% ، الإسفنجة بنسبة 70%..... ذبابة الفاكهة بنسبة 70%.

المراجع :

Gunter, C., Dhand, R. Human biology by proxy. Nature 420, 509 (2002). https://doi.org/10.1038/420509a


Kellis M, Wold B, Snyder MP, Bernstein BE, Kundaje A, Marinov GK, Ward LD, Birney E, Crawford GE, Dekker J, Dunham I, Elnitski LL, Farnham PJ, Feingold EA, Gerstein M, Giddings MC, Gilbert DM, Gingeras TR, Green ED, Guigo R, Hubbard T, Kent J, Lieb JD, Myers RM, Pazin MJ, Ren B, Stamatoyannopoulos JA, Weng Z, White KP, Hardison RC. Defining functional DNA elements in the human genome. Proc Natl Acad Sci U S A. 2014 Apr 29;111(17):6131-8. doi: 10.1073/pnas.1318948111. Epub 2014 Apr 21. PMID: 24753594; PMCID: PMC4035993.


Tennyson CN, Klamut HJ, Worton RG. The human dystrophin gene requires 16 hours to be transcribed and is cotranscriptionally spliced. Nat Genet. 1995 Feb;9(2):184-90. doi: 10.1038/ng0295-184. PMID: 7719347


National Research Council (US) Committee on Mapping and Sequencing the Human Genome. Mapping and Sequencing the Human Genome. Washington (DC): National Academies Press (US); 1988. 2, Introduction. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK218247/





Tomkins, Jeffrey. “Genome-Wide DNA Alignment Similarity (Identity) for 40,000 Chimpanzee DNA Sequences Queried against the Human Genome is 86–89%.” Answers Research Journal 4 (2011): 233–234.https://answersresearchjournal.org/dna-similarity-chimpanzees-human/.

الثلاثاء، مايو 24، 2022

المنطلقات الإدراكية لعلم الفيزياء | [ نسبية الزمن المُدرَك وتكافؤ الطاقة والمادة ]

معادلة تكافؤ الكتلة والطاقة :

لم يكن آينشتاين يؤمن ب"المطلقيات" ضمن نطاق الأرصاد المحلية ، الكُتلة التي تعرفها من حياتك اليومية بالنسبة لإدراك آينشتاين ، هي مجردُ "أثر" ، والأثر يستتبع تآثراً والتآثرُ يستتبع قوة وعلة (طاقة ) ، وبعبارة أخرى ، ليس هناك كتلة صلبة كالتالي تصورها نيوتن ( المؤمن بعقلانية تفاعلات الواقع المحلي ومطلقيتها ) ، إنها ككتلة مجرد "إدراك فينومينولوجي" ليس له وجود إلا في ذهنية الراصد المُدرِك.

هذه الصورة التي أمامك تعني أن "قوى الثقالة والجاذبية" وحقولها التي تتعرض الكائنات لها من جراء التفاعل بين الشمس والأرض ، لا تعود لما نراه من كتلتي الشمس والأرض رأي العين أو جهاز الرصد ، ما نراه و"نحسه" هو "مجرد انعكاس" لتلك النقطة التآثرية الصغيرة ( تماماً كما في الصورة التي تريك إياه بين الشمس والمشتري ) وهذه النقطة هي التي يمتد تأثيرها إلى الناس مسببة أغلب ما نحسه من تماسُك كتلي ، وهذه النقطة هي "مركز التآثر الثقالي".

تغدو الثقالة مجرد طاقة نتجت عن التقاء طاقتين مجردتين في مركز ، وهذا المركز أعاد توجيهها بطريقة جديدة منعكسة عنه ضمن حقول خطية تفاعلية ، وكل ما يلامس تلك الحقول سيلامس تأثير الجذب الذي تقوم به الشمس والأرض ... هذا التأثير سيصل لمرحلة يحبس فيها الطاقة التي تعبر من خلال حقوله ، مثل طاقة جسمك التي تصبح مأسورة بمجال الأرض الثقالي المأسور بمجال الشمس الثقالي.

وبما أن هذا المركز التآثري الذي هو المركز الحقيقي لإحساسك بالجذب والتماسك، هو مركز  "غير كُتلي بالمعنى النيوتني، لأن الكتل النسبية ليست مادة صلبة في كون مُغلق" فإنه من الممكن تحويله إلى "قوة" أو "طاقة" تماماً كالحقل الكهرومغناطيسي أو النووي. أي أنك ( تظن ) أن هناك شيئاً "اسمه المادة" ذو وجود معزول، ولكنها مجرد تأثير يترجمه عقلك ويرصده إدراكك على نحو محلي ، مجرد طاقة.

هذه الطاقة محررة من المكان ولا يمكن فهمها بالمعادلات ، إلا لحظة تأثيرها على المكان ، ذلك التأثير الذي سيستتبعه الأثر ، والأثر سيستتبعه الرصد ، الأثر والرصد محليان ولكن الطاقة والتأثير ليسا محليين. الأثر شأن من شؤون الطاقة ، أما الطاقة فهي علة للأثر ، تنتهي الفيزياء ، عندما تبدأ دراسة الطاقة خارج حدود الأثر الذي تنتجه.

نظرة أعمق إلى معنى الطاقة :

في هذه الصورة توضيح لطريقة تحول الطاقة لجسيم. الشكل المخروطي هو رسم تبسيطي يمكن فهمه على أنه طاقة مجردة ( بلا أبعاد ) تعبُر عالماً بلا إحداثيات محلية ( ماورائي ) ، ثم تتصادم مع طاقة أخرى موجهة بشكل عكسي … يَنتج عن التصادم نوعين من الأرصاد ، الأول هو التكاثف في مركز الاصطدام والذي يسمى بالجسيم ( لأنه يتخذ قيماً كتلية في تأثيره المحلي أو يتفاعل مع الكتلة والمكان أحياناً ) والثاني هو السلوك الرياضي لهذا الجسيم ( قياس تأثيرات الجسيم في العالم المحلي وتحويلها إلى خصائصه التي تدرسها مثل اللف المغزلي ونحو ذلك ).

خارج هذا الرصد … لا وجود للجسيم

الجسيم هو الحادثة الفيزيائية التي يمكن وصفها رياضياً بأنها تأثير قابل للرصد محلياً وله قيم رصد دون ذرية.

الموجة هي سحابة قيم الرصد الممكنة لهذا التأثير ، سواءً ما تم رصده أو لا.

الطاقة هي "علة" لوجود الموجة أو الجسيم … بمعنى أنها موجودة في عالم آخر ، ليس هو الفيزياء … جميع معادلات الفيزياء التي تصف الطاقة إنما تصفها لحظة دخولها للعالم المحلي وتحولها إلى أثر.

في علم الفيزياء التجريبية ، لابد أن يكون الشيء قابلاً للرصد كي يدرس بشكل فيزيائي ، وبما أن الموجة بذاتها كطاقة تجريدية مؤثرة لا تكون قابلة للرصد إلا حين تتحول لجسيم بفعل التصادم الشعاعي المستقيم مع طاقة أخرى ، فالسبيل الوحيد لدراستها فيزيائياً وعدم انتقالها للميتافيزيقا هو اعتبارها شبكة احتمالات لرصد الجسيم ( بيحث تُدرَس عبر تأثيراتها المحلية وليس عبر جوهرها ) ، وهذا ينتج مباشرة مبدأ الارتياب.

المفهوم التجريدي عن الفوتون دقيق وصحيح ولكن ، إذا امتد نحو بنيوية الفوتون فسيجعل جوهره خارجاً من مجال الدراسة التجريبية ضمن الواقع المحلي. التعاريف التي تستخدمها الفيزياء النظرية تحرص حرصاً شديداً على أن لا تخرج الواقع من حيز المحليات والموضوعية ، وإن خَرَج الواقع ، تتعاملُ معه على أنه "لامنطقي ولا واقعيي" وتعبر عنه برياضيات الاحتمالات ، التي تصفُ تأثيره الموضوعي الممكن القياس ، وفي الحالة الأخيرة ، يصبح الاختزالُ ممكناً إلى الواقع المحلي مرة أخرى وذلك اختزالٌ اسمي فقط.

حتى الآن كان الكلام جميلاً ولطيفاً ، ولكنه يعني أن نظرية كل شيء أو النموذج الفيزيائي للعالم … تختزلُ الواقع التجريدي في الواقع المحلي من خلال التعامل مع تأثيره على الواقع المحلي وإهمال حقيقته الفينومينولوجية. ثم تزعم تفسير كل شيء وتفسير لقوى وبنيان العالم الأكبر بناء على هذا التوصيف الاسمي للأحداث (المرصودة).

الزمكان والفضاء :

وأما فكرة انحناء الزمكان ، فهذا لأن الزمكان "المحلي" ليس له وجود بدون أحداث وكائنات "محلية" مثل التي يخلقها التآثر.. 

الزمن والواقع الماديان أصلاً هما إنتاج طاقي على هيئة مجموعات من العناصر المتفرقة التي تجمع بينها روابط ونسب معينة ، بحيث لا يمكن فهم عنصر ما دون بقية العناصر.لينشأ الزمكان فهو ينتج عن تداخل الطاقات المجردة في فضاء التجريد ، مما يأسر الطاقات ببعضها البعض على هيئة مادية.

أي أنه مجرد "مُحاكاة" للتآثر الحاصل بين المراكز الحقلية للقوى المختلفة ، يمكن القول : حتى فكرة الزمان والمكان النيوتنيان ، الذين يتطابقان في لحظة التأثير ولحظة التأثّر ، وهو المبدأ الذي تعيش عبره حياتك ، وتحكم من خلاله القيم الفيزيائية المسؤولة عن التآثر واقعك ، هذه الفكرة ليس لها وجود إلا في عقلك ( وذهنك ).

وهكذا لا يكون للزمان وجود في عالم الفيزياء إلا على نحوه النسبي ، لأن نسبية التفاعلات التي تجري بين الطاقات المكونة لهذا العالم ، تجعل أولائك الطاقات مقيدة بمجالات الإمكان الفضائية المحلية ، مما يظهرها (كتأثيرات طاقية) بهيئة آثار محلية مادية لها درجة من السكون، فتصبح قابلة للرصد والقياس المحلي.. ذلك يعني أن الطاقة المجردة تكوّن عوالم نسبية في التجسد والتجسيد (في المكان والزمن ). هذا يسمح بتحريك الزمن الذي تعيش فيه تماماً كما لو أنه محاكاة لطاقاتك ، ومن هذا المنطلق ينشأ مفهوم السفر عبر الزمن ، وتكشف أيضاً عن حقيقة عبور الزمن وتجاوز الواقع الزمني الحالي.

ما تراه بعينيك الفيزيائيتين على أنه شمس ، هو "ترجمة" لجهازك الإراكي ، لأثر بؤرة التآثر الكهرومغناطيسي بين الحقل الكهربائي لعصبوناتك والحقل الكهروضوئي للشمس ، ولكن الشمس بحد ذاتها ليست ذلك الأثر ، فضلاً عن أن تكون ترجمتك الخاصة له ، أو ترجمة الجهاز له ، أما ما تحسه على أنه "شيء صلب" أو "كتلة مادية" مما يلامس جلدك ( بما في ذلك كوكب الأرض نفسه ) فهو "ترجمة" يقوم بها جهازك الإدراكي للأثر الصادر عن بؤرة التآثر الثقالي بين حقل الأرض وحقل جسدك ، وبعبارة أخرى ، مركز التآثر ليس في الأرض ولا في جسدك ، وإنما في مكان ما ( أو مجال ما ) بينهما.

أي أن جسدك ليس له وجود مادي ، بل هو طاقة تؤثر وتتأثر وكذلك الأرض ، ويأخذ وجوده المادي فقط كترجمة إدراكية عقلية وعصبية للتأثير الطاقي المُصدَّر من جوهره الزمني إليك والمتقاطع مع تأثيرات طاقية أخرى ، ففي غياب العالم المادي "الذي يؤثر على جسدك" عن إدراكك ، يغيب جسدُك والعكس صحيح أيضاً ( حينما يغيب إدراكُك أو جسدك عن العالم المادي تخرج منه ) ، نظرية الحقول تصحح لك "المفهوم الطبيعي الساذج عن العالم".

إن الذي ترصده بحواسك ( أو بأجهزة القياس والرصد ) هو "آثار" لحقول ، ودلالة "حقول" تعادل "مجالات تأثير" ، التأثير بحد ذاته مفهوم فلسفي وليس علمياً ، ولا يمكن تعليله بشكل علمي ، فحتى ولو فرضت وجود "كم" للجاذبية ، فهذا الكم بحد ذاته وإذا فهمته ككائن يمكن رصده أو احتسابه رياضياً ، فلن يكون إلا تمظهراً لحقل أعمق منه ، لأنه لحظة رصده أو تعيين قيمة فيزيائية رياضية محددة له يختفي من كونه علة المجال ويتحول إلى رصدك الخاص لآلية المجال وتوصيفه الرياضي بالنسبة لمراقب من العالَم المادي. 

علية التأثير تعني وجود شيء غير مادي يسيّر أحداث الواقع المادي ( أي الواقع كما تترجمه على أنه مادة ) وهذا الشيء هو ما سماه آينشتاين بـ"اللامتغير" مقابل "النسبي" الذي يُحاكي ذلك اللامتغير عن طريق وساطة المتغيرات الخفية ، هذا هو المبدأ العلمي للمُحاكاة بشكله الأكثر بساطة ضمن القرن العشرين.

خلاصة ما سبق : التآثر النسبي يعني أن العالَم الحسي لا يُخبر بوجود مواد وكتل ، بل بوجود طاقات تؤثر على طاقاتك وتتفاعلُ معها فينشأ جسدك ، وينشأ إحساسك بالزمن ، وكل ما ترصده يعود إلى "تضارب الطاقات" وتقييدها لبعضها البعض.

لماذا يكون الفضاء مظلم دائمًا على الرغم من وجود شمس ضخمة بالقرب منه؟

 يعتَمِد الجواب على حقيقتين : حقيقة الشمس كمصدر ضوئي ، وحقيقة الفضاء كـ"عاكِسٍ للضوء".

الشمس كمصدر ضوئي ليست ذلك المضواء المُطلق ، الذي يمكنه إطلاق الضوء الخالص ، لأن الشمس الفيزيائية بالنهاية مقيدة بموقعها في الفضاء ، مقيدة بعلاقاتها مع المنحنى الزمكاني ، مقيدة بِكُتلتها المادية ، هذه الأشياء تمنعُ شعاع الشمسِ من اتخاذ قيمٍ مُطلقة ، لأنّ الكتلة الزمنية للشمس تحول دون تحرُّر الشعاع من منطلقه بقيمة مُطلقة.

أمّا الفضاء ، ليس كما تتخيل … إنّه أوّلاً ليسَ متلقياً سالباً لضوء الشمس بل على العكس ، هو عديم الكتلة بالنسبة للثقالة الظاهرة ، ولكنه بما هو مجموعة علاقات بين الأفلاك ، فإنّ الكُتلة تنتشِر عبر آفاقه تماماً كما ينتشر الموج في البحر بفعل الريح، وكقوة عازلة تمنع تلك التأثيرات الكتلية وصول شعاع الضوء إلى هدفه بشكل مباشر مستقيم، ولكن هذه المرة دون أن تعكس ضياءه بشكل ظاهر ، لأنها موزعة على نقاط متناهية الصغر عبر أفق الفضاء اللامتناهي … هذا ما تنبّأت به نظرية آينشتاين.

في الصورة السابقة : الشعاع الذي يعبر الأفق يتأثر بطاقة الجذب التي تمارسها الشمس على المحيط الفضائي الزمني حولها ، لذلك يتعرض للانحناء لكي يتلاءم معها ، والسر الحقيقي في ذلك هو أن الجاذبية هي نوع من أنواع الطاقة التي تتوجه نحو الطاقة الرئيسية العابرة لحقلها وتؤثر عليها ... كيف يمكن أن تكون الجاذبية طاقة وهي ما يعطي للكتلة معناها ؟ السر هو : الكتلة أيضاً هي طاقة ، ولكنها طاقة في وضع سكوني ضمن المحل ، طاقة تعطلت عن الجريان وتحولت إلى شكل غير متجه ، وتم احتباشها على هيئة جسد مادي ساكن الحركة في تكوينه الداخلي ، متحرك بفعل القوى المؤثرة عليه خارجياً ...

يحدث الانحباس هذا عندما تكون الطاقة غير كافية للتحرر أمام طاقة أخرى موجهة نحوها لتقييدها، وهذا يؤدي في النهاية إلى وضع السكون لحركة الطاقة الأولى ضمن المدى الذي تؤثر من خلاله الطاقة التي تقيدها ... عكس تأثير الطاقة ضمن المحل مع الحفاظ عليها فيه سيؤدي إلى جعلها شاغراً في الفضاء المحلي ، وهذا الأمر سيحدث فجوة في ذلك الفضاء ، تتناسب قيمتها مع قيمة المكان الذي سكنت فيه الطاقة بجسد مادي ... ولكن هذه الفجوة أو الحالة الفضائية السالبة للكتل ستكون انتشارية من المركز الصلب إلى محيطه ممتدة عبر الفضاء ، ولذلك تجذب الكتل الأخرى نحوها وهذا يسهم بتعزيز تلك الحالة الفضائية السالبة بالجذب الناتج عن الكتل الجديدة أيضاً ، ومع تزايد الكتل وتكاثفها بفعل ازدياد الطاقة المقيدة تقييداً ( ازدياد مقدار الطاقة وتناقص سعة الزنزانة الفضائية التي تشغرها ) تنشأ الحقول الثقالية الكبرى مثل الشمس والقمر والنجوم ... عبور الضوء لتلك الفجوات الفضائية يعني أنه لن يمر في فضاء تام بل عبر فضاء سالب للكتل والسطوح ( بفعل تكتل الطاقات  التي تعبر من خلاله وتنشئ محيطاً سالباً ينتشر حولها ويجذب إليها الأجسام ) محاولاً تحقيق التوازن بين الفجوة التي تنتشر حول مكان الطاقة الحبيسة وبين الأجسام التي تحبس طاقات أخرى - تعويض القيمة السالبة ضمن الفضاء والتي نشأت عن الضغط الكتلي ذو القيمة الموجبة في مكان تقييد الطاقة وتحولها إلى كتلة ، يجعل الفضاء ( يبدو ) وكأنه يمتلئ بطاقة تسمى بالجذب الكتلي ، ولكي يعبر الشعاع من خلال فضاء سالب كتلياً ( وبالتالي فوضوي السطح ) سيمر عبر فضاء متحرك بتفاعلات بين السلب والإيجاب ، الضوء نفسه ليس له كتلة ، والفضاء نفسه ليس فيه كتلة موجبة ، ولكن الضوء لا يفهم فيزيائياً إلا عند اصطدامه بكتلة أو إحاطته بها ، والفضاء أصبح الآن أشبه بكونه ذو كتلة سالبة.

ينشأ الزمن المحلي عن تفاعل السلب والإيجاب بين كائنين لهما قيمة فيزيائية ضمن عالم المحل ... الضوء أيضاً يصطدم بهذا ا"السلب الكُتلي" كما يتآثر مع الكتل الموجبة تماماً ، ولذلك تؤثر الجاذبية ( بما هي طاقة سالبة للكتل ) على شعاع الضوء ( بما هو طاقة تتفاعل مع الكتل ) وكلا الأمرين ، الجاذبية والضوء ، هما من جنس أعم واحد يسمى بالطاقة ، وهي علة الآثار المرصودة في الزمن المحلي ، إنها التفاعلات المؤدية إلى تكوين الزمن المحلي على هيأته المرصودة ، ولذلك ، تفاعل الطاقة والفضاء باعتبار أن الطاقة يمكن توجيهها ونشرها ، كفيلٌ بتفسير كل شيء يحدث ضمن الفضاء المحلي.

الجاذبية لا تسلب الضوء ، هي بالأحرى تسلب  وتعدل المكان الذي يقطعه الضوء ، وبما أن المكان هنا هو مسافة فاصلة بين نقطتين نهايتهما نقطة الاستقرار والأولى نقطة الانطلاق ، فهو أيضاً نوعٌ من الطاقة سلبية الكتلة ، بين مصدر الضوء ومستقره ، وبسبب تقاطعها مع طاقة سلبية الكتلة أخرى سوف يتأثر الضوء ولن يصل بالضبط بنفس المكان الافتراضي إقليدياً واستوائياً ، لأنه محمول على حاملٍ مادي هو المكان السالب للكتلة نفسه ، إن ما يحدث بالضبط هو أن الفضاءات السالبة تتداخل معاً وتشوه بعضها بعضهاً باستمرار ، بعبارة أخرى فالضوء بقي محافظاً على مساره المجرد تماماً ، ولكن الحامل المحلي لهذا المسار قد انحرف وتحول إلى منحنى زمكاني أنتج هذه الظاهرة.

الفضاء المحلي ، مجموعة من القوى الهائلة المتناثرة ، كبحرٍ ليس لهُ بنيان مادي ، لكنّه يمتصّ التآثرات ويعكسها على بعضها البعض ، إنه بحرٌ من المجالات التفاعلية الفوضوية ، التي تمثل تحقق فضاء الإمكان التجريدي ضمن العالَم المادي ، فكل الأحداث ممكنة الوقوع ، تحدُث في الفضاء ، عن طريق تجسيد القوى المجردة بضرب بعضها ببعض ، تنشأ الكتلة عن تقييد طاقة مجردة بطاقة أخرى مجردة ، وهذا التقييد يجعل الطاقة تفقد جزءً ما من تجريدها ، ليكون لها بنيانٌ مادي قابل للرصد والتآثر من راصدٍ محلي ، كُلّ هذه الأحداث ، تحدث على مرايا الزمكان التي تسمى حين رصدها : الفضاء.

لذلك لا يمكن للفضاء أن يعكس الضوء ضمنه ، لأنه سالب الكتلة ، ورصد الضوء في عالم المحليات يعتمد على تفاعله مع كتل موجبة ، وهذا يجعل الضوء ينعكس عبر الفضاء وليس ضمن الفضاء.

زوالُ تضارب القوى من الفضاء يؤدي لزوال النسبية والدخول في حيز المُطلق التجريدي ، ويمنع حركة الزمن المحلي ، ويكشف مرآة الكون على حقيقتها.

هذا الأمر يؤثر على حركة المجرات التي تتباعدُ عن بعضها كما يتباعدُ العائمون في بحر من أمواج الفوضى … وكذلك الكائنات والقوى شديدة الرهافة كالضوء ويشتت حركتها فيه ، تماماً كما لو كانت تعوم في البحر ، هذا التشتت في الحركة ، يظهر في الفضاء الفوضوي بشكل غير مُتجه مطلقاً ، ليس هناك جهة للطاقة السالبة كتلياً لأنها تنتشر حول الكتل الموجبة في الفضاء ، وبسبب تباعد الكتل الموجبة فلكياً وتكافؤ قواها الجاذبة ، تكون الحركة الفضائية فراغية وطافية ، كل ما تفعله هو تعطيل الأجسام المتحركة التي تعبر ضمنها ، لذلك لا تكون الحركة فيه مثلها على الأرض ، رغم وجود القوى..

هل للأشعة وجسيمات الضوء كتلة ؟ ما هي حقيقة تلك الجسيمات ؟

الضوء عديمُ الكتلة ، طالما أنه لا يتفاعلُ مع الكتل …

ولكنك لن تستطيع فيزيائياً أن ترصُد هذا الضوء ، أقصى ما يمكن فعله أن ترصد أثر الضوء العابر للفضاء المحلي. وهذا يجعلُ الضوء محدد السرعة دائماً ، مع أن السرعة الفيزيائية المُطلقة لا ينبغي أن تحددها أي قيمٍ على الإطلاق ، ولكن الفيزياء تدرسُ واقعاً تركيبياً من تفاعلات قوى متضاربة ، تشوه الزمكان بتضاربها.

ما يُسمى بالفوتون ليس ضوءً ، إنه قياس الموجة الضوئية بالنسبة لجهاز أو لـ"تأثير" ممارس عليها يحد من قدرتها ، ويعكس بياناتها لمن أطلق ذلك التأثير وهو يعلم مسبقاً ، ما تفسير ردود الأفعال التي ستنعكس من اصطدام التأثيرين.

إن الضوء في واقعته الخاصة وحقيقته ، لا يستوي مع الضوء في عالم الفيزياء التركيبي ، وعالم الأرصاد الأكثر تركيباً ، وعالم المعادلات والتأويلات الأكثر تركيباً وتركيباً. إن الضوء الذي يمر في فضاء محلي سالب ثم يصطدم مع الطاقة المختزنة ضمن كتلة ما ، ثم يتم قياسه وتصوير آثاره المبعثرة وتجميع الصور الكترونياً ورقمياً ، ليس هو الضوء الحقيقي ولن يكون أبداً.

من المهم ذكره أيضاً ، أن الضوء لحظة القياس سواءً أثناء عبوره للفضاء أو في واقعة أرضية ، سيتخذ قيماً ومتجهات ليس لأنه محددٌ بها ، بل لأن "رصده" محدد بها ، ولاكتلية الضوء في معادلة آينشتاين تتحدث عن تفاعله مع الكُتل بشكل لا يظهر فيه تأثير تجاذبي متبادل بينه وبينها ، ورغم ذلك فهي تعيق حركته المُطلَقة من حيث أن قوة الجذب في النهاية تؤثر على "الأشياء" التي يضيؤها الضوء وعلى السطح الزمني الذي يعبره والطاقة المختزنة في الكتلة تؤثر على مسار الضوء ، وليس على الضوء نفسه ، وبما أن الضوء لا يمكن قياسه تجريبياً بمعزلٍ عن تلك الأشياء فلن تستطيع أن تفهم قيمه الحقيقية محلياً أبداً.

في معادلات النسبية لا يتحدث آينشتاين عن الضوء الخالص ، بل عن الضوء الذي يتفاعل مع القوى الأُخرى ، ويتحدث عنه في لحظية التفاعل وليس فيما سواها ، فهو يصف "فاعلية الضوء وإجراءاته التي يتخذها بالنسبة لظروف معينة" وخارج هذه الظروف ، لا يكون ضوءً محلياً أصلاً …

الحَرَكة والزَّمَن المحلي :

 

إنك إذا تخطو الآن خطوتك التالية لإدراك المعنى الحقيقي ل"الحركة" والزمن اللازم عنها ، دون اعتمادٍ على "مُسلمات مسبقة غير مُثبتة" قادمة من المعرِفة التراكُبية للأجيال التي سبقت لحظتك الحالية ... ستغدو الحركة الفيزيائية هي "تفاعلاً طاقياً متغيّراً بين عناصر شبكة المواضيع الفيزيائية يعطي نتائج وأحداثاً جديدة" وذلك ما يعني وجود "فعلٍ مشتركٍ تبادلي" بين كُل موضوعين مُتفاعلين. أي أن الكائن والحدث يغدو "مُلتقى الطاقات المُتفاعلة" و "ملتقى العلاقات النسبية" بين الأنسجة الحاملة لتلك الطاقات. إن بنيانه الزمني المادي يغدو مجموعة علاقات بين الطاقات ، وبنيانه كشاغرٍ لمكان معين يغدو مجموعة علاقات بين الأمكنة الناقلة للطاقات إلى نقطة الملتقى "التي هي ذلك الجسم نفسه" ، وهكذا جميع الأجسام ، وحتى المكان باعتباره حاملاً للطاقة ، يفقد معناه دون أجسام ترسم خريطته النسبية ، فلا يكون المكان والفضاء سوى الطاقات المتلاقية نفسها.

عندما تتعامل مع الموضوعات الفيزيائية الحسية (هَلْ) تتعاملُ معها من مُستوى وجودها الفيزيائي الذُريري (حدَثيات هنا والآن) ، أم من بُعدها الفيزيائي الماهوي (هذا حاسوب ، هذه طاولة ، وذاك ، إنسان). كلا البُعدين موجودين لإدراكك بنفس مستوى الحقيقة ، كلاهما معطيات تستطيع الوصول لها والإحساس بوجودها بطريقة ما ، ولابد أنك تُلاحظ وجود علاقة ما بينهما ، تلازم معين ، ما سرُ هذا التلازم ؟ لعلك تعلمُ جيداً أن الماهيات الفيزيائية المعقولة ، هي أيضاً ( علاقات تفاعلية في عالم العقل والتجريد ) بين ماهيات أبسط منها ، فتفاعُل ماهية الكُتلة ( المعنى الأعم لها وبغض النظر عن الاعتبارات العلمية التفصيلية فكلها ستغدو صحيحة-ما يهمُ الآن هو العاملُ المُشترك بين كل تعريف ممكن للكتلة-وهو الكتلة كما تنطبعُ في إدراكك ) مع ماهية "السطح\السطوحية المستوية" سيولد ماهية الطاولة بصيغتها الأكثر بساطة على الإطلاق ، إضافة معايير كمية معينة ( طول معين-ارتفاع معين-وزن معين ) ومعايير فيزيائية وطبيعية (مادة الصُنع- الصفات الفنية) ومحددات أكثر دقة "المكان بالضبط \ الوقت بالضبط" ، هو ما يُنتج لك مفهوم الطاولة التي بين يديك هذه الأيام – إن كان بين يديك واحدة – وهذا المفهوم ، قابلٌ على الانطباق على ما لا نهاية له من المصاديق الطاولاتية ، أما مفهوم الطاولة الأبسط ، فيغدو كل مفهوم طاولي أعقد منه ، انعكاساً ماهوياً له ، من لانهائية في الانعكاسات.

"الحركة" كفهوم وجودي، مجرد عن تقييده بقيود محلية لا داعي لها ، وكتعليل صحيح والوحيد الصحيح للحركة المحلية، هي كُل تفاعلٍ بين موضوعين وجوديين ، سواءً كانا محليين أم غير محليين ، فلا فرق إلا في "الزمن" الذي تتم فيه (أو تندمج به) تلك التفاعلات ، وبما أن الحركة نفسها يمكن أن تغدو كائناً عقلياً مُجرداً ، وبما أنها تكون التبرير الصحيح للحركة المحلية عندما تُصبح كذلك ، فمِن وجهة نظرٍ إدراكية خالصة ، ف"الحركة العقلية" هي ما يخلق حركة الفيزياء ، فالزمن المحلي ، ما هو إلا انعكاسٌ للزمن العقلي التجريدي ، كل الوجود الفيزيائي كذلك. كل ما في الأمر أن ازدياد التكاثف نتيجة ازدياد القيود على المعقولات البسيطة ، سيؤدي في مرحلة معينة ، إلى تقييد المعقول بما يكفي لجعله "محلياً" لا ينطبقُ إلا على نفسه ، تخيل أنك تُقيد مفهوم الطاولة التي بين يديك ، بمفهوم الحيز الذي تشغله ، والذي هو مجموعة من الأشباك التناسبية بين بقية الموضوعات ، دخول مفهوم الطاولة العام إلى علاقات هذا المفهوم المحلي ، سيُحددها بحدثية "هُنا والآن" وسيخلق مباشرة الطاولة التي أمامك بالذات. فالطبيعة عقلٌ منظور ، والعقلُ طبيعةٌ مخفيّة ، والفرق يكمن فقط في نسبة التكاثُف\التعقيد\التقييد.

كُنهُ المادة شَبَكَةٌ من العلاقات الميتافيزيقية المُجَرَّدَة :

فما يُشكل الوجود الفيزيائي المحلي هو إذن "التآثر المحلي" النسبي ، وهو الجوهر الحقيقي للمادة (كُنهُها). المِثالية لا تلتفت له ، والمادية تؤمن بسذاجة بـ"مُطلقيته". وهذا يعني أن ما يُشكل الزمن (والمكان) هو العلاقات التآثرية لموضوع ما مع بقية المواضيع ، فزمنُ موضوع ما بالنسبة لموضوع آخر ، هو نطاقُ حركته التي وصلَ تأثيرها إلى الموضوع الثاني ، والتي نتَجت عن "تشابُك العلاقات أو التآثرات" المكونة لتلك الحركة التي قام بها الموضوع الأول ، المكونة لتلك الخاصية من ذلك الموضوع الفيزيائي الأول. ولو أن هذه العلاقات التآثرية تختلف بين موضوع وموضوع آخر نسبة لنفس محور الإسناد (الموضوع الثالثُ المُشترك بينهما-الذي يؤثر كل منهما عليه) فهذا سيؤدي حتماً لاختلاف الأرصاد لحركة كل منهما عند إسناد تِلك الأرصاد لذلك المحور ، فلَكَ أن تتصور نُقطة زمكانية محلية ضمن فضاء فيه ثلاث نقاط أخرى ، حركة النقطة الأولى تسير مُنتظمة بشكل طوفاني حول النُقطة الثانية ، والنُقطة الثالثة تطوف حول الأولى ، والرابعة أيضاً ، لكن سرعة طواف الأولى أقل بأضعاف من سرعة الثالثة ، أقل بأضعاف من الرابعة ، ما هو الزمن الآن ؟ دون الالتفات لقضية الرصد ، الزمن للنقطة الأولى ، من حيثية معينة ، هو العلاقة التآثرية بينها وبين النقطة الثانية (محور المحاور ضمن هذه المجموعة) ، ومن حيثية أخرى ، هو العلاقة بينها وبين النقطة الثالثة ، وكذلك هو العلاقة بينها وبين الأخيرة، شبكة العلاقات هذه ، تؤدي لخلق "تشابك تآثري" يكوِّن الزمن المحلي الحقيقي للنقطة الأولى بالنسبة إلى نفسها ، وهذا النسيج الجديد ، يؤثر على العلاقات الثلاثة معاً، وذلك يؤثر على العلاقات بين بقية النقاط نسبة لبعضها البعض. وإن الزمن (الحركة الحَدَثية) للنقطة الأولى ، بالنسبة إلى نفسها ، عندما يتم مقارنته بزمنها بزاوية الرصد للنقطة الثانية (محور المحاور) ، سيكون مختلفاً تماماً (بينما يكون بينهما تآثر، ليس بينهما اتصال آني مباشر) ، فمن وجهة الوجود الفيزيائي لمحور المحاور ، ذلك الزمن ( لولب الحركة التفاعلية المحلية الخاص بالنُقطة الأولى ) سيُقاس كـ"تأثير دخيل" على زمن نسيج ذلك المحور ، وهذا التأثير سيُقاس ضمن نطاق ذلك النسيج ، وليس ضمن نطاق مصدره ، النسيج الأول ، مما يُحدث انفصالاً في الآنية المحلية. وقد يتوهم الراصد – بطريقة ساذجة – أن كلا النقطتين يسيران في خط زمني واحد ، ليس لشيء سوى لكونهما يتأثران ببعضهما ، إلا أن هذا التأثر ، يتكون تكويناً مختلفاً في كل نقطة ، وكونه متبادلاً ، هو الدليل الوحيد على وجود العلاقة الزمنية بينهما ، وهي "فقط" علاقة زمنية نسبية ، تختلف آثارها من نُقطة إلى أخرى ... مع ازدياد التشابك والبناء ، تصبح اللوحة فُسيفسائية بشكل لا يُمكن مُحاكاته طوبوغرافياً ، كل نقطة تشكل زمناً مستقلاً ونسبياً لكل نُقطة أخرى ، وهذه النسبية الظاهرية ، يؤولها الموقف الطبيعي الساذج على أنها "ضد وحدة الوجود" وكدليل على انتفاء المُجردات ووجود المادة (التي لا يزالُ كنهُها الحقيقي شبحياً). إن سر سرعة النُقطة الثالثة ، ليس إلا نظامها المستتر الذي تفاعل بطريقة مناسبة مع تأثير ذلك التناسج الزمكاني المركب لها ، المتأثر بالنقطة الأولى وبقية النقاط ، وهذا النظام تَشكل أيضاً من علاقات تآثرية معينة مع نقاط أخرى لم يتم ذكرها بعد ، زمن النقطة الثالثة بالنسبة للنقطة الأولى ، هو تآثرُ بينهما ، ولكن زمن النقطة الثالثة بالنسبة لمحور المحاور ، هو التآثر بينهما بغض النظر عن الزمن السابق ذكره ، فلو وُجد ذلك الراصد المحايد مُطلقاً ، ولا حدود لقدرته الرصدية (وهذا سيتطلبُ خروجه من الرؤية النسبية المحلية-خروجه من الزمن المحلي) ، سيلاحظ أن المتجه الكمي الزمكاني الحركي لتلك النقطة – بالنسبة لنفسها – من حيث عامل النقطة الأولى ، يختلف تماماً عنه من حيثُ عامل محور المحاور ، لأنه سيقيس الأحداث القادمة من آثار المحور ، بطريقة مختلفة تماماً عن تلك القادمة من آثار العلاقة مع النقطة الثانية (كوكب الأرض) ، وسيرى عدم وجود تزامن بينهما ، بمعنى آخر ، ليس هناك اتصال بين العاملين الدخيلين إلا ضمن نطاق النسيج الذي دخلا إليه ، خارج هذا النسيج : كلٌ في فلكٍ يسبحون ، فهما (قطعتان) مختلفتان من الزمكان المحلي ، كل منهما ، يشكل زمناً محلياً قائماً بذاته. الأحداث التي تحصلُ نتيجة للعلاقة بين كوكب الأرض والشمس ، عندما يتم قياسها ( إدراك أثرها بشكل حيادي ) من نقطة على القمر ، سوف يظهر عدم تزامنها مع الأحداث التي تحصل على كوكب عطارد نتيجة العلاقة بينه وبين الشمس ، وطبعاً ، لا يمكن في عالم نسبي كهذا ، تجريد العلاقات لتلك الدرجة ، فهاتين العلاقتين ، تتآثران بنقاط(مواضيع محلية) لانهاية لها. ليس هناك إذن ضرورة لاستخدام فكرة "التزامن المحلي المُطلق"، بل هي فِكرة غير منطقية ، غير علمية وغير حقيقية. وكلّ موضوع فيزيائي له عدد من المُتجهات الرياضية الزمكانية للحركة ، بعدد محاور الإسناد المشتركة بينه وبين بقية الموضوعات.

والخلاصة هي حَرَكَةُ موضوع فيزيائي تَنسجُ له زمكاناً محلياً ذو نطاق معزول عن النُسج الأخرى لبقية المواضيع ، وهذا الزمكان المحلي يتآثر ببقية الحركات الزمنية ولا يتزامن آنياً معها (لأنه لا ينتمي لعالم الكليات والمُجردات) ، كما أنه يختلف في تأثيره من موضوع لآخر ، ومن ذاتيته إلى موضوعيته المحلية ، فيمتلكُ متجهاً خاصاً لكل موضوع يتآثر معه. هذا المبدأ ، يمكن تسميته بـ"نسبية الزمن المحلي لموضوع فيزيائي".

* المبدأ الثاني : نسبية زَمن الإدراك :

 

إن ما يتمُ رصده من قبل مراقب عطالي أو نشط ، ليس إلا "أثراً في إدراكه". بمعنىً أكثر دقة : وصول التأثير إلى نطاق أرصاده المتأثر بنسيجه الزمني المحلي.

ولعلك تتخيل الآن ذلك الخيال المُستحيل ، محاولاً مُحاكاة الكواكب في نقطة معينة من الزمن نسبة لبعضها البعض ، ولي أن أخبرك ، أن الكواكب (وأي شيء) لا يتوقف أبداً عن الحركة بطريقة تسمحُ بقياسه لموضوع آخر ، التمثيل المادي للنسبية الفيزيائية مُستحيل ، وستحتاج لخيالٍ إبداعي لهذا العمل. فالزمان ليس بُعداً رابعاً ، هو مُجرد الصورة الحقيقة للمكان ، التي تتشكل بالتناظر اللاتطابقي ، تناظر مُنعكسات النِظام المُستتر. وهذا الفَصل ، يُعدم التزامن بين الحدثيات المحلية ، في اللحظة التي يتم قياسها بأجهزة رصد محلي ، ويظهر اختلاف المُتجهات الرياضية لكل علاقة نطاق محلي مرصود بمحور إسناد معين ، عن علاقة بقية النطاقات بذات محور الإسناد. الزمنُ (كبُعد محلي رابع) ليس إلا "تأويلاً" لاختلاف المُتجهات الرياضية لحركة الموضوعات الفيزيائية بشكل لا تطابُق آني فيه ، مما يوجب أحياناً التعامُل (الاعتباري) معها كـ"موضوعات ذات أربع مُتجهات محلية رئيسية-تتفرع عنها بقية المُتجهات".

 

 

المنطلقات الإدراكية لعلم الفيزياء | [ نسبية الزمن المُدرَك - الجزء الأول ]

إن قياس أي قيمة فيزيائية لموضوع محلي ، لا يتم إلا بإسناده لشبكة من العلاقات مع مواضيع محلية أخرى ، وقياس علاقاته مع بعض تلك المواضيع إلى علاقات أخرى تعتبر أكثر "ثباتاً ومعيارية".لو افترضتَ وجود موضوع محلي ليس له أي علاقات ، لن يكون كذلك له أي معنىً واقعي محلي لأي خاصية فيزيائية فيه ، لن يكون هنالك أي أحداث ترتبط به ، لا تاريخ ، لا حركة ، "لازمن محلي ولا وجود" ، فقط تخيل نُقطة ما، تُشكل عالماً معزولاً قائماً بذاته ، وستُدرك سريعاً أن ما تتخيلهُ ليس إلا "العَدَم الفيزيائي المُطلق" الذي لا خصائص له ، ولا وجود زماني محلي ، فهو خارج نطاق الفيزياء كما تعرفها ، لأنه خالي من "التآثر" فهو بلا قيم فيزيائية ( بلا علاقات تقيده ) فهو إذن ، ليس كائناً محلياً.

إذا تسارعت كل الحركات الفيزيائية لمختلف الموضوعات ، ضمن نظام فيزيائي ، سواءً كان مُغلقاً أو مفتوحاً ، بنفس القدر الرياضي ، فلن يختلف أي شيء ، بعبارة موجزة لن يكون هناك معنىً لذلك ، وليس له وجودٌ في الواقعة الفيزيائية أصلاً ، لأن القيمة الرياضية للسرعة هي "نسبة سرعة موضوع معين إلى موضوع آخر وإلى بقية المواضيع". فأنت ثابتٌ نسبياً أمام الشيء الذي تقرأ منه أو تستمع الآن له ، مُتحرك بالنسبة للشمس بسرعة تفوق توقعك ، متحرك بالنسبة لأندروميدا بسرعة تفوق تخيلك ، قِس على ذلك كل القيم الفيزيائية ، الحجم ، الكُتلة ، الكثافة ، الزخم ، العزم ، الاتجاه ، القوة الكهرومغناطيسية ، القوة النووية ، الجاذبية ، الانتروبيا ، الطاقة السالبة ، المادة المُظلمة وكلُّ ما تشاء. غياب نسبية الموضوع الفيزيائي أو صفة معينة له، وتحوله إلى موضوع مطلق ، يعادل معنوياً فناء ذلك الموضوع ضمن العالم المادي ومستوى الإحداثيات المحلي ودخوله في عالم ليس فيه فيزياء ولا موضوعية خارجية.

شرط تحقق قياسات الفيزياء هو أن يكون موضوع الإدراك محلياً وخارجياً وعاكساً للقوى على الحواس الراصد أو أجهزة الرصد ، وشرط المحلية والخارجية ، أن يكون الموضوع الفيزيائي نسبياً في علاقاته ، حتى يتسنى للراصد تحديده بزمكان معين بالنسبة للكائنات الزمكانية المحلية ، وكل موضوع ليس له علاقات نسبية يمكن من خلالها قياسه إلى كائنات زمنية أخرى هو موضوع خارق لمنطق الفيزياء ولا يحتمل في دراسته مناهج التجريب الوضعي المتعارف عليها.

وسأضرب لك الآن أمثالاً واضحة :

النسبية مُنطلق لإدراك الزمن الغيابي :

إذا فهمتَ الزمن المحلي على أنه "النتيجة اللازمة عن الحركة التفاعلية المحلية بكل أشكالها" ، فستُدرِك أن النسبية ليست نسبية زمن فقط ، بل هي أيضاً نسبية المكان ، الكُتلة ، الحجم ، التماسُك ... هي نسبية الثوابت الكونية ( بما فيها سُرعة الضوء ) ، هي نسبية كل شيء فيزيائي تعرفه ولا تعرفه ، إنها نسبية الواقع المحلي نفسه ، ولأنه نسبي كانت حركته نسبية وكان زمنه نسبياً.

جميع الكائنات المحلية تعامل كأنسجة للحقول الفيزيائية العليا لحظة قياسها ، و عندما تكون الكموم محلية ( وهي ليست كذلك إلا حيثُ رُصدت أو حُسب تأثيرها ) فسوف تخضعُ لكل ما ذُكِر لك للتو. وهذا هو السر في إمكانية تحول الكُتل إلى طاقات ، والطاقات إلى كُتل ، والفضاء إلى شاغر ، والشاغر إلى فضاء.

نسبية الواقع المحلي تعني أنه قائمٌ على الكثرة في العلاقات ، ولا يأخذ شيء فيه أي هوية إن لم يكن له كثرة في العلاقات وكلما قلت تلك العلاقات كان الكائن أبعد عن القدرة على رصده محلياً.

كثرة العلاقات النسبية تعني أن الكائن لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن إطار اعتبارات تقيس قيمه الفيزيائية المحلية إلى قيم فيزيائية لبقية الكائنات المحلية ، فلا يوجد الواقع المحلي إلا لحظة وجود التعدد في تركيب الكائن الزمني وتركيب المستوى الوجودي الذي ينتمي له هذا الكائن ... وهذا المستوى يسمى في النسبية : "الفضاء الزمكاني رباعي الأبعاد".

ولأن القيمة الفيزيائية وحساباتها لا تكون فقط في مرحلة الكائن الزمني المحلي وهو موجود على أرض الواقع المحلي ، بل أيضاً في عملية التكوين التي أدت لوجود الكائن الزمني ، فستكون عملية التكوين نفسها نسبية أيضاً وإلا لما أمكن وجود كائن محلي نسبي من أسباب مطلقة.

وبمعنى آخر ، الأسباب التي أوجدت القيم الفيزيائية لهذا الكائن المحلي هي أسباب نسبية ، تعتمدُ على واقع نسبي لا يمكن فيه للأسباب والأفعال أن تأخذ قيم تأثيرها إلا بالاعتماد على العلاقات التي تربطها معاً وكلما تحررت من ترابطها معاً تتحرر الأسباب من القيود المحلية وتتحرر نتائجها من الأجساد المحلية. ذلك التأثير النسبي المقيد ببقية التأثيرات هو التفاعل الزمني الحقيقي الذي سيؤدي في النهاية إلى إنتاج الكائن المحلي ، وبما أن هذا التفاعُل نسبي ، فليست القياسات التي تجرى على المكان فقط نسبية أي ليس فقط وجود الكائن أو التأثير ضمن المستوى المحلي لحظة الإنتاج والرصد نسبياً ، بل إن التفاعل الذي يسبق تحول شعاع التأثير إلى أثر فيزياء ممارس على الواقع ومرصود بالجهاز ، هو أيضاً نسبي ، وهنا تأتي نسبية الزمن الحقيقية التي قلما تجد من يفهمها أصلاً كي يشرحها.

فالسرعة لحظة قياسها تنتسب إلى سرعات أخرى معروفة جيداً ، فتكون سرعة السيارة كبيرة بالنسبة لرمي الحجر ، ولكنها صغيرة بالنسبة للطائرة والكوكب والمكوك الفضائي ، هذه نسبية السرعة لحظة تجسدها واقعياً ، ولكن آينشتاين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ... فزمن "التكوين" الذي أنتج سرعة شيء ما ، لم يفعل ذلك بطريقة شعاعية ، ولذلك لا يمكن للسرعة نفسها أن تتوافق تماماً في لحظتي رصد ، ولا يمكن لسرعتين أن تتطابقا تمام التطابق ، ولا يمكن لأي قياسين أن يكونا طوبقين تماماً، بعبارة أدق : لا وجود للمقاييس أصلاً ، يوجد فقط علاقات تآثرية تسهم في تكوين الواقع المرصود.

فليس هنالك زمن ثابت لكل الراصدين ، كالثانية والدقيقة الافتراضيان ، ولكن هذه الثانية لا تضطرب في الظروف الاعتيادية اثناء قياسها لأنها تحافظ على العلاقات الأساسية المسهمة في تكوينها ، مما يجعل الجميع يرصدها بنفس الدقة ، ولكن أثناء الرصد الدقيق جداً بالنسبة للطرق الكلاسيكية ، يمكن أن ترى أن الثانية لا يوجد فيها أي شيء ثابت ، وهذا يعني أن رصدك لموضوع فيزيائي ما كالنجوم مثلاً لا يعتمد على حقيقة هذه النجوم لحظة انطلاق الضياء منها ، بل لحظة وصول الضياء إلى عينيك أو جهاز قياسك ، فأنت لا ترى وجود النجوم الحقيقي بل ترى الوجود الناتج عن تفاعلك مع الأثر الواصل من شعاع النجوم إلى نطاق أرصادك.

وكذلك لا ترى الزمن الحقيقي للنجوم ، بل ترى زمناً آخر ، نتج عن جميع التفاعلات التي طرأت على شعاع الضوء العابر للفضاء والذي وصل إليك ثم قمت بقياسته حسب واقعك الآني. وهذا يعني أن الزمن الحقيقي ، ليس هو الزمن المحلي ، وأن الزمن المحلي ، ليس إلا تداخل حقولك التآثرية الزمنية مع أشعة التأثير الممارس عليك من قبل المحيط ، وأي قطعة مادية أو سجل زمني في هذا المحيط ترصده ، لا وجود له إلا لحظة رصدك إياه ، نعم مصدره موجود ولكن أنت لا تستطيع الوصول محلياً للمصدر ، بل للأثر.

إن ما تراه شيء ، وإن حقيقة ما تراه شيء آخر ... أدرك هذه القاعدة لكي تفهم سائر النسبية والزمن.

هذا يعني أن الأفعال التي تمارس ضمن الواقع الفيزيائي تكون نسبية حتى لحظة تكون في زمن التفاعل وقبل الوصول إلى زمن النتيجة ، وهذا ما يسمى في الفيزياء الحديثة بـ"التأثير والتأثر = التآثر". فالتآثر هو أيضاً نسبي ، بمعنى أنه متغير  ، لا يعتمد فقط على نقطة الانطلاق ، بل على علاقاته بجميع التأثيرات الطاقية الأخرى التي يتفاعل معها لينشئ النتيجة النهائية.

واقعك المادي إذن ليس إلا آثار حركة موج البحر الفضائي ، أما الحركة نفسها فليس فيها شيء ثابت يمكن أن ينتمي للأرض المحلية. وصول تأثير جاذبية جسم ما على آخر يعني قطعه لمسافة وزمن ، الأمر الذي يحرف القيم الحقيقية لتأثير الجذب كما صدرت من الجسم ، وهذا التحريف يختلف في شدته ، ولا يمكن أن تعرف حقيقة المقدار الذي يمثله ضمن العلاقة الرياضية.

الزمن الذي ينشأ عن تجاربك الحسية وتجارب كوكبك الفيزيائية ، منفصل تماماً عن جميع الأزمنة الأخرى ، فعلاقة ( قبل - وبعد ) غير موجودة في الزمن الحقيقي أثناء التكوين ، ليس هناك قبل وبعد هناك تأثيرات تدخل على الحدث قبل تكوينه ، وتجعله يبدو وكأنه قبل شيء ما وبعد شيء آخر ، ولكن الحقيقة أن العلاقات التآثرية ليست تسلسلية وإنما تفاعلية.

إنه السرُ في وجود الزمن السالب ، والطاقة السالبة ، والكتلة السالبة ، والفضاء السالب ، وهو السر في مبدأ الارتياب ، والتشابُك الكمومي ، والتشابك الزمني ، كلها ، تعود لنفس العلة ، إنها : نسبية الوجود المحلي التابع لمُتغيرات خفية تجعلُ منه "مُحاكاة لها" غير آبهة بأي قيود. فما هو سرُ التآثر ؟ ما هو سرُ الحقول ؟ 

يتبع ...

الخميس، مايو 12، 2022

[ الوعي والذكاء الاصطناعي ] | الفرق الجوهري بين الماديات والروح: هل يسمح تصميم العقل الالكتروني الجديد في الحواسيب الكمومية بإنتاج عملية الإدراك ؟

 

فرق كبير بين أن تجيب على السؤال من منظور فلسفة معينة، تتناسب مع نظام إحداثيات افتراضي معين، وبين أن تكشف الحقيقة التي تم السؤال عنها.. حينما تعرف الوعي على أنه "الإحساس بالوجود الداخلي والخارجي" أو "الوظائف العقلية المعرفية العليا".



فلنأخذ مثالين واضحين على حالات التلاعب بالمصطلحات :

"كتب هذا المقال[1] ماثيو ديفيدسون (Matthew Davidson) من جامعة موناش (Monash) حيث تم نشره سابقًا في مجلة “المحادثة”.

’’هل تعتقد أن لهذا الجهاز الذي تستخدمه أنت لقراءة هذه المقالة شعور بنفسه وبالحالة التي هو فيها؟ ماذا عن كلبٍ أليف؟ هل لديه أي فكرة وأي إدراك لحالته وماهيته؟ ما الذي يفصل بين حالة الكلب وحالة الآلة؟... إن كل تلك الأسئلة هي بعيدة كل البعد عن البساطة، ويبقى السؤال “كيف ولماذا يمكن لتواجد ظروف معينة التسبب بظهور تجربتنا كبشر للوعي؟” أحد أكثر الأسئلة غموضًا في زماننا هذا. الأطفال حديثي الولادة والمرضى المصابين بتلف دماغي والآلات المعقدة والحيوانات قد يُظهِرون علامات الوعي. ومع ذلك فمدى وطبيعة تجربتهم الواعية لا تزال محط جدل ونقاش فكري حاد.‘‘

يبدأ الكاتب مباشرة بطرح مجموعة من التساؤلات غير المترابطة في موضوعاتها - وفق صيغة طرحه - والتي تشمل، شعور الآلة بنفسها وبمحيطها الزمني، والشعور لدى كلب اليف، ويربط ذلك بشعورك، بشكل يبدو فيه أنها ظواهر مختلفة في الجوهر، متفقة في الهيئة الخارجية والوظيفة الزمنية، ليخبرك بالنهاية أن "فعل" شعورك بالموضوع هو الوعي، بشكل مضمن في طيات كلماته المنمقة، فتفترض معه ذلك افتراضاً مسبقاً ليستحيل السؤال من "ما هو الوعي" إلى "ما هي الظروف التي ينشأ فيها الوعي".. إن الفرق بين السؤالين، أن الأول يحدد نوع نظام الإحداثيات الزمني المستخدم في تعريف ودراسة الموضوع، وبالتالي يحدد جوهره الوجودي، وهكذا هي الحال حينما تسأل عن "ما" و"من". ولكن الأمر يختلف بالنسبة للسؤال الثاني ، فهو نوع من التحديد المُسبق، لأنك ربطته بظروف معينة محددة مسبقاً ( كالواقع المادي ) فلقد جر الكاتب يد عقل القارئ مباشرة نحو هذه الهاوية السحيقة، وهي وضع الوعي ضمن إطار الزمن المحلي، بدلاً من وضعه كمفهوم مقابل لمفهوم المحليات بما أنه يعرف عن طريقها وليس من خلالها. وعوضاً عن البحث في حقيقة الوعي، هل هي أصلاً تنتمي لهذا الزمن المحلي أم لا، وإذا كانت تتجاوزه نحو زمن آخر فيا ترى كيف يمكن دراستها، يتحول السؤال والبحث إلى سلوك علمي ذو إطار مسبق الصنع، وهذا الإطار.. هو ما يمكن تسميته بـ"العقيدة".

بالتأكيد سيبتعد جواب هكذا سؤال يربط عنوة بين نظامين إحداثيين متمايزين زمنياً ووجودياً، عن كل جواب بسيط ممكن، لأن المشكلة في السؤال نفسه... اسأل السؤال الصحيح ، كي أعطيك الإجابة الصحيحة.

’’يقول تشالمرز[2]: «على مدى العقد الماضي، طوّرتُ وزميلي جوناثان سكولر -أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا- ما نسميه (نظرية الرنين للوعي – resonance theory of consciousness)». «نقترح أن الرنين -كلمة بمعنى الاهتزازات المتزامنة- هو في صميم الوعي الإنساني وأيضًا الوعي الحيواني، والواقع المادي بشكل أعم». كل شيء عبارة عن اهتزازات، كل الأشياء في كوننا تتحرك باستمرار، حتى الأشياء التي تبدو ثابتة هي في الواقع تهتز وتتأرجح بترددات مختلفة.‘‘

لا شك أن اللقب العلمي يشير إلى مستوى عال من الدقة والمهارة في نطاق إجراءات البحث المعرفي الذي تمت حيازة اللقب عبره، وإنها لمدعاة للفخر وليست بأنانية بشكل عام، ولكن العرض المستمر للإجابات على موضوعات تم إبهامها عبر التاريخ، ولا تتعلق أصلاً بمجال الدراسة ولا حتى بالنموذج العلمي الأكاديمي الذي يؤطر يد الباحث ولسانه بحكم تخصصه، عرضاً يبدأ بتقديم شهادات المجيب ومدى احترامه الأكاديمي، هو طريقة مستفزة في ميادين المعرفة.. تختفي حيالها الموضوعية ويتحول الأمر إلى نوع من الكهنوت بصيغة أخرى.

يمكن الأخذ بالشهادة والتقدير بعين الاعتبار ضمن نطاق مجالها المهني والواقع الذي تدرسه والنموذج الذي تستخدمه في دراسة مثل هذا الواقع، ولكن الإنسان الطبيعي والعادي والبسيط، أو حتى المختص الذي يهتم بالجواب الدقيق والصحيح، لا يهمه كثيراً من كتب الجواب أو البحث، يهمه ذلك فقط لإخراج الأجوبة العبثية ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل جواب من أكاديمي هو مفيد وكل جواب من غير مختص هو عبثي، بل على العكس تماماً..

لأن المختص يحصر محاولة الإجابة في نطاقات اختصاصه، والوعي مثلاً ليس من اختصاص علم النفس التجريبي، إلا من حيث الوظائف النمائية والمعرفية التي تنطلق من حامله، وليس من حيث البنيوية والكنه والنظام الزمني الوجودي الخاص به.

وفي الحقيقة لا يوجد تخصص في الجامعات التي نعرفها وفي المنظومة العالمية التي تحكم مسالك العيش اليوم، يمكن أن يجيب على سؤال مثل "ما هو الوعي"، إلا باستخدام سياسة "لي عُنق المعنى " وتحويله إلى شيء آخر، الاهتزازات والرنين يتعلقان بالحالات التي يظهر فيها الوعي تواجداً في وسط رنيني، والافتراض الذي افترضه الكاتب أن الرنين يحدث بين موضعين محليين، وبذلك حصر الوعي في نطاق الرنين، وحصر الرنين في نطاق الواقع المحلي والواقع التوصيفي (الفيزياء الرياضية), وهي افتراضات مسبقة ستقلب الجواب رأساً على عقب ولن يعود له نفس المعنى الذي قصده السائل أبداً.

من حقك أن تسأل ما تشاء، وتطلب الإجابة بالطريقة التي تشاء، ولكن ليس من حقك أن تلصق قصد الآخر من سؤاله بقصدك الخاص، وتحصر الإجابة التي يريدها الآخرون بالإجابات التي تريدها أنت، مستخدماً إبهام تخصصك ودهاليز الكلمات بالنسبة للآخرين، ومستعيناً بالسلطة النفسية الممارسة عليهم، فتخصصك يكفل لك الإجابة على نوع من الأسئلة بنوع من المناهج والتأويلات، وليس أن تحصر الأسئلة ومناهج البحث ونماذج التأويل كلها بتلك خاصتك.

قد بيننا للقارئ كيفية الردود العلمية التخصصية على الأسئلة الزمنية والوجودية، حتى يعلم فقط لماذا هو دائماً محتار بين إجابات العلم ولا يجد ما يرضي ضمأه الروحي والمعرفي في تلك الأنظمة.

إن طبيعة العلم التجريبي تمنعه أصلاً من إنشاء تخصص يدرس الوعي دراسة تجريبية، لأن العلم التجريبي يبحثُ في الواقعة الموضوعية للمراقبين ( المحليين ) من حيث أبعادها التكرارية وآفاقها الاحتمالية ضمن نظام الإحداثيات المحلي ونظام الإحداثيات الإجرائي الذي يصف التأثيرات الممارسة على المحل من حيث واقعة تأثيرها المحلية بلغة رياضية مكممة، النظام المحلي تعنى به النماذج الميكانيكية (كنيوتن) بينما يدرس النظام الإجرائي بالنماذج الإحصائية (هايزنبورغ والارتياب) وكلاهما لا يصلحان لتفسير الذاتيات والكنوه وجوهر الواقع لموضوع معين ، وإنما يستخدمان لوصف الأفعال والحالات النسبية التي تتعلق بظهور الحقائق الذاتية عبر فعلها ووظيفتها الممارسة في نطاق الرصد، ففعل الوعي الممارس على جسد الإنسان، والذي يدرسه العلم النفسي التجريبي، هو خاصية واحدة من خاصيات الوعي التي لا تنتهي، وجميع تلك الخاصيات والحيثيات ليست جوهر الوعي. هكذا يستحيل أن يدرس العلم التجريبي المنتمي لهذا الواقع النسبي الظهوري جوهراً يتجاوز الواقعة الزمنية المحلية كما هو الحال في الوعي، لا يمكن للتجريب بصيغته الحالية أن يدرس الوعي أصلاً قبل افتراض تعسفي أن هذا الوعي هو مسبقاً واقعة مادية محلية أو مجال احتمالي للوقائع المحلية، وبالطبع ليس هنالك الكثير من الناس – بغض النظر عن مستواهم العلمي – يمكن أن يوافق على قرار خطير كهذا إذا عرف حقيقة معناه المخفي عن الجمهور ، لمجرد أن اقتراحه كان من قبل لجان علمية مرموقة. 

ولقد بدأت الحديث معك بمقدمة أستعرض لك من خلالها نقائص البحث العلمي التجريبي المحلي بالنسبة لنظام زمني أو وجود يخرج عن الواقع المادي المحلي. حتى تدرك ما الجواب الذي تسعى نحوه وكيف يمكنك الوصول إليه ، وتزال حيرتك بين ما ستقرؤه وبين ما سيتم الاعتراض به على ذلك البيان من قبل المختصين.

وحينها فقط ... سيكون لك حرية القرار فيما ستختار.

أول موضوع سيحسم الأمر مباشرة ، كيف يمكن أن يعلم الإنسان ما هو نظام الإحداثيات الزمني الذي ينتمي له موضوع البحث، هل هي إحداثيات مادية أم تنتمي لمنظومة فائقة للمادة وقاهرة فوقها، يعيدك إلى السؤال العلمي الأول على الإطلاق:

ما هو العالم ؟ وما طبيعته النهائية ؟... كيف تعرف الفئات المتواجدة في مصفوفات العالمين حتى تحدد بدقة ما المصفوفة التي ينتمي لها موضوع بحثك. من أين لك أن تعرف ما هي المادة أصلاً ؟ وما هي الكتلة وما هي الطاقة ؟ وما هو الرقم والعدد والشكل واللون ؟ وما هو المفهوم وما هو المحسوس ، وسائر المعلموات الأولية التي يبنى كامل البنيان العلمي التجريبي والعقلي على معرفتها مقدماً واستخدماها كأدوات ولبنات بناء، وبدونها لا مجال لتصور النظرية والمنهج أصلاً.. هذه المعلومات يقولون لك أنها تُبحث في فلسفة العلم، ولكن، كيف تستطيع فلسفة العلم أن تجيب عليها وبأي نوع من المناهج البحثية تجيب على مثل هذه الأسئلة ؟ ولماذا كلما ازدادت بساطة السؤال وقلت أعداد كلماته، ازداد تعقيد الجواب وأصبح موضوعاً للتشابك العلمي بين العلوم، ما السر الذي يربط بساطة السؤال بصعوبة الجواب ؟

كل هذه الأسئلة التي لابد لها من إجابة تسبق ما يقوله أي نظام علمي سائد، تقوم برد معرفتك ككائن حي إلى نقطة الارتكاز الأولى : ’’ما الذي يوحدك بالعالَم والزمن الذي تتفاعل معه ؟ كيفَ تدرك العالم ؟‘‘..

في القرن المنصرم، كان طبيعة الوعي معيار تحديد طبيعة العالَم وليس العكس، لأنك تتعرف إلى العالم بوعيك وهو البوابة بينك وبين العالَم، فهو القائم على المعرفة وما يحددها وما يحدد وهمية الواقعة الموضوعية أو حقيقتها. إنك غائبٌ بذاتك عن العالم، والعالم كذلك غائبٌ عنك، ولو كنت أنت العالم وكان الآخر الموضوعي هو الوعي، إذن لانقلبت الآية وتبدأ البحث بالطريقة العكسية (من الموضوع إلى الذات)، وبما أن العالَم غياب فسيكون الوعي وكل ما يشير إليه من جمال ومطلقية غائباً عنك.

وهذه النتيجة النهائية التي يريدونك أن تصل إليها، أنك بلا ذات، وأنك مجرد ضباب كوني تجمع في وقع فوضى عبر الزمن.

الجدل احتدم بين الفلاسفة والعلماء حول طبيعة الوعي، وطبيعة الوعي حينها بدت غير واضحة المعالم بعد في آفاق البحوث، ففي البحث التجريبي كان السلوكيون يلحون بشدة إلى نزعة اختزال الوعي لعوامل بايولوجية ، لكي يتم نبذ البنيويين والاستبطانيين، ووجد فلاسفة فيينا والوضعيين المؤسسين الرافضين لفكرة المطلق والقائلين أن الحقيقة مجرد واقع اسمي ولفظي ولغوي، فرصة كبيرة للشد على أيديهم عبر استخدام السلوكيين، بفضل ما تم إنتاجه من إنجازات العلاجات السلوكية مقابل عدم إفادة البنيويين والاستبطانيين بأي موضوع تطبيقي يخدم المعيشة المحلية بشكل مُباشر (لأن الاستبطان لم يكن قد تكامل بعد). بينما على الطرف الآخر ، قام علم الإدراك "الفينومينولوجيا" بدَمغ فرضيات اختزال الوعي وإزالتها نهائياً، وتجلى ذلك أشد الظهور في كتابات هوسرل "الفلسفة علماً دقيقاً" و"أزمة العلوم الأوربية الحديثة" ومن الممكن الرجوع إلى المرجع التالي[3][4] وهو أحد أهم بحوث ستانفورد التلخيصية لمشكلة الوعي السهلة والصعبة للتحقق من مدى إمكانية دراسة الوعي تجريبياً والفرق بين التجريب الاستبطاني والموضوعي، وجوهر قوة الإدراك الفائقة لمجال ومنهاج العلوم الطبيعية.

فبينما يعمل البرهان التجريبي المحلي على استقراء الواقع المحلي وتلخيص نتائجه في معادلات تصف التغيير الزمني للوقائع المحلية ضمن فئات احتمالية وترجيحية، بحيث يمكن تعميم نتائج التجريب لتكون وقائع رياضية في نظام الإحداثيات الزمني المحلي، فإن المنهج البحثي الإدراكي يقوم بتقييم الموضوع العلمي المُدرَك ومنهجه ونموذجه من الحيثية الإدراكية، وهي أصله في الوجود ولا يعلم الإنسان غيرها سوى بعض الخيالات ومحاكاة التصورية واللغوية . إن ذلك يعني أن المنهج التجريبي المحلي بشكله القياسي وكافة أشكاله الأخرى يرتد إلى أن يكون نوعاً واحداً من أنواع المنهج البحثي الإدراكي، نوعٌ له وظيفته وتخصصه الذي لا يستطيع الخروج عنه ( وهذا هو ما يسمى الفينومينولوجيا وطريقتها في البُرهان، التي لم يدركها البعض ممن يجيب على هذه الأسئلة بالطريقة المناسبة والدقة الملائمة ).

للتوسع أكثر في فلسفة العلم أرفق لحضرتك هذا البحث [5].

هكذا تم التعرف على الوعي على أنه أجدى بالدراسة الإجرائية ، ليس لأن الدراسة الاستبطانية غير علمية أو هي علوم زائفة كما يشيع اليوم لدى البعض - خصوصاً السوشال ميديا - ، وإنما توافقاً مع فلسفة العصر الساعية إلى إنتاج موظفين أكفاء ومرموقين في عملهم، وليس فلاسفة ومتأملين - على حد زعمهم - يرفضون المصفوفة العالمية الجديدة . وهذا ليس سبباً علمياً وإنما نوعاً من فلسفة الحياة تسمى بالنفعية.

لأن الذكاء الاصطناعي.. خالٍ من الوعي بنيوياً، فليس فيه وعي. ولكن كينونة الآلات تعي وجودها وتعي كل شيء أيضاً.

  1. الذكاء الاصطناعي\الحاسوب والوعي :


ما يسمى بالذكاء الصناعي يشير إلى مجموعة ردود أفعال ميكانيكية تعتمد نوعاً آخر من الطاقة غير التي تعتمدها الآلات البخارية والحركية الكتلية، يسمح هذا النوع بسرعة أكبر في المعالجة من تلك الآلات البدائية ، وتوزيع أعلى في الكثافة والتركيز للطاقة ضمن المجال والمكان، مما يعطي مرونة إضافية، فيتم من خلال ذلك القيام بالمزيد والمزيد من المعالجات بفترة محدودة ومسافة محدودة، يسمح هذا بنشأة تراكيب معقدة جداً من أنظمة المعالجة ضمن مجال زمكاني محدود، وهذا يجعل الآلات تتصرف بسرعة عالية وتعقيد فائق، وتبدو وكأنها تعمل بقوة الوعي، وكلمة تبدو تعني أن الوعي هنا يؤخذ على المحمل الوظيفي وليس على المحمل الوجودي الاستبطاني، فالموضوعية لا يمكنها أن تفهم الوعي ولا أن تثبته، ولكن يمكنها أن تقيس وظيفته بالنسبة للواقع الموضوعي وتأثيره عليه. مجال الموضوعية لا يتعلق بالوعي، ومجال العلوم التجريبية يدرس الوعي ضمن ظهوره في أفعال الجسد وأقوال اللسان، وليس علة أو قيمة الوعي وكنهه وحيويته[6].

بالعودة للذكاء الاصطناعي، لن تجد له أي تفسير على أنه "ذكاء" من حيث البنية ، إنما هو كذلك من حيث الإجراء (يُظهر آثاراً للذكاء )، وسأشرح ذلك بالتفصيل الآن ، ومتأكد بأنك أيها القارئ ستوافقني تماماً[7]:

إدراك الحاسوب معدوم حتى يزود بآلية خاصة ، وهي دلالة التوجيه، تسمى أيضاً بالمنطق الحَسوب، فيقوم العقل الالكتروني بمعالجة المعطيات التي لها تعريف زمني فيزيائي رياضي ، بعبارة أخرى لها قيمة فيزيائية يمكن احتسابها كمياً بالنسبة لواقع الإحداثيات الفيزيائي وكميات الفيزياء النموذجية، وأيضاً يفعل هذه المعالجة بطبيعة تتماثلُ مع طبيعة المُدخلات ( يستخدم بنىً فيزيائية حسوبة في الإدراك ) وكذلك الأمر بالنسبة لناتجات المعالجة ( هي حسوبة أيضاً ) ويغدو إدراك الحاسوب من حيث الوظيفة "حوسبة فيزيائية"[8] بالكامل ، فهو مجرد عملية انعكاسية لا تختلف عن عمليات الآلة الميكانيكية إلا في مستوى التعقيد ، وحين يتزود بطاقة الوعي للكائن المشغل وبدلالة التوجيه التي يسخدمها، يمكن أن يتحول إدراك الحاسوب من الوجود المعدوم إلى الوجود الحقيقي النسبي، لأنك عندما تعطي الحاسوب مجموعة من العينات وتطلب منه استقراءها ، ستحتاج لأحد نوعي البناء المعرفي الغيابي :

  • دالة التوجيه المحلي : التي تسمح بالتطابق بين معطيات الزمن المحلي الداخلة للمعالجة والخارجة من المعالجة، والتي يرمز لها بالخوارزمية المحلية من فئة ( إما 1 أو 0 ) فلابد من تطابق المقدار الفيزيائي الكلي للأحرف الخوارزمية الداخلة ( البيتات مثلاً ) والتي ترمز لعدد وتسلسل النبضات الكهربائية الخاصة بالصورة الداخلة للحاسوب، مع مقدار الخارج الفيزيائي ( عدد بيتات مطابق في الصورة التي تُعرض على الحاسوب ) – ويتم احتساب مقادير الفروق بين كمية النضبات الداخلة والخارجة عن طريق أخذ عوامل أخرى تدخل على المعالجة قبل العرض بعين الاعتبار – فيكون الزمن المحلي الذي تداركه جهاز الحاسوب مساوياً تماماً للزمن المحلي الذي عرضه – بعد احتساب كميات التعديلات التي حرفت زمن المعالجة ضمن الحاسوب – وهذا هو مبدأ الطوبوغرافيا ، يعني هذا أيضاً أن الأحداث تسبق الإدراك والإدراك يعكس الأحداث كما هي بعد أن تتم معالجتها بأجهزة معينة، وأن زمن الإدراك محلي وواقعة الإدراك محلية ويمكن احتسابها بنفس طريقة احتساب واقعة التأثير المحلي الممارس على الإدراك حسب زعمهم، سيسمح لك هذا بمعالجة المُدخلات بعد تزويد الحاسوب بدالة المصفوفة التي توجه أعماله لكن لن يستطيع الحاسوب تجاوز تلك الدالة، وتكون المصفوفة الكُبرى هي نظام التشغيل وتسمح بفضاء احتمالات محدود للمصفوفات الفرعية. بمعنىً أوضح : لا يقدر الحاسوب على الاستقراء دون وجود دالة برمجية مسبقة توجه آلية معالجته للمعطيات وتصنيفها، يشملُ ذلك التعلم العميق واللامُراقب تماماً كما يشمل تعلم الحاسوب الاعتيادي. الفرق الوحيد أن الحاسوب الاعتيادي يستخدم دالة محلية تماماً وليس فيها أوامر تشغيل ذات أوامر تربط المحليات بمبادئ مُجردة ( بنى برمجية تجريدية–محلية).​
  • دالة التوجيه التجريدي : في حال كانت الخوارزمية كلانية ، من فئة 1 و 0 معاً بنفس الزمن، متجاوزة مسألة حدود المحل الزمني ، وطلبت من الحاسوب تعلم مصفوفة معينة ، يمكن بالاستقراء أن يدرِك عشرة آلاف صورة قط ، ثم يستطيع التمييز بين القط واللاقط ، لكن ليس بالشكل الذي تظنه أبداً ... إنه يعتمد كلياً على فصل عناصر صورة القط المحلية إلى آلاف أو ملايين القطع ، ثم الربط بينها وتخزين ما استنتجه من انعكاسات في الذاكرة – التي هي مجرد رموز أوامر تجعله يتصرف وفقها فيما بعد - ، ثُم يقارنها ( عبر النبضات الكهربائية التي تنتجها وعبر معالجته لتلك النبضات بنبضات أخرى ) بصورة قط آخر ثم آخر ثم آخر ، ليكون في النهاية ، علاقة رياضية – مجموعة أوامر – بين أجزاء القطط واحتمالية أن يكون ما في الصورة قِطاً، وبعدها يمكنه أن يرسم القط الذي تطلبه منه، وهذه العملية التي تبدو لك ذكاءً عشوائياً ، ليست سوى ردود أفعال منعكسة وآلية منظّمة نحو تلك الصور التي يراها، لا تختلف عن ردة فعل آلة الخياطة عند تشغيلها بشيء، بل لا تختلف عن وقوع القلم على الأرض بشيء، وكل ما في الأمر أنها تتخذ أشكالاً أخرى معقدة جداً تبدو فيها وكأنها مشابهة لسلوك الكائن الواعي. ثم إنشاء روابط بين عناصر تلك الصور المحلية المجمعة وبين الرد الفعلي الآلي المنعكس على رؤية تلك العناصر (مثل إبداء الدهشة أو العاطفة )، وهذا الرد ، تراه أنت على شكل تعلم آلي غير مُراقب ، بينما هو في الحقيقة تفرعات لانهائية لدالة ربط واحدة بين فعلٍ آلي وفعلٍ آلي آخر، دون وعي وإدراك، وبلا أي تجريد حقيقي ، لأنه بعد ان يرى عشرة آلاف أو عشرة ملايين قط ، ستبقى هنالك فجوة ، مهما كانت صغيرة ، بين القط المِثال وبين فضاء الاحتمالات الذي تم إنشاؤه ، فإذا لم يرى قطاً بثلاثة عيون وأربعة آذان وبحجم كوكب الأرض ، وبلون يختلف في كل سنتمتر منه عن الآخر ، وبتغير هذا اللون في كل لحظة، أو بتغير شكل القط نفسه كل لحظة ، إذا لم يره مُسبقاً لن يقدر على إنشائه ، ولن يقدر على فهمه ، ولن يسميه قطاً ولن يسميه كائناً واحداً، رغم كل ما اختزنه من معلومات عن القطط ، حتى يتم تحديث الدالة لتسمح بمعالجة العناصر الجديدة، لأنه لم يمتلك بعد المعطيات اللازمة لذلك ، سيحتاج أن يرى أشياء مُشابهة ويربط بينها بعلاقات "تبدو" منطقية وهي ليست سوى منعكسات أوتوماتيكية تختزن على ذاكرته كرموز ، وتتحول الرموز إلى ردود الأفعال .... ثم بعد كل ذلك قد يمكنه أن يفهم ذلك الكائن. ولا يمكن تسريع هذه العملية للقدر الكافي باعتماد حاسوب محلي، بل لابد من وجود حاسوب كمومي خاص، وما هذا بالتركيب وما هذا بالاستقراء الحق ، لأنك إذ تقوم بتخيل هذا الكائن ، تكتشف فوراً قدرتك على تمييزه كقط وليس أي شيء آخر ، رُغم أنك ، لم تره بعد ، ولم تر أشياء مشابهة، ومعلوماتك العامة عن القطط لا تتوافق مع مثل هذا البُنيان الزمني ... إن تعلم الآلة يمكن استحالته إلى علاقة تربط بين فعلٍ محلي ورد فعلٍ محلي آخر، دون المرور بالتجريد والإدراك، هنالك فجوة مفقودة بين المدخلات والمخرجات ، إنهما متلازمان تماماً وليس بينهما فاصل زمني ينتمي لبعد أو مجال آخر غير الإجراء المحلي، وإذا وجدت طريقة لربط الآلة بدالة انعكاسية من هذا القبيل، لكنها تسمَح بتعلم تفكيك عناصر الصور والمعطيات المرصودة إلى أصغر الوحدات المحلية على الإطلاق – الكموم – ثم تكوين أحكام رابطة بين تلك الوحدات عبر ردود أفعال آلية مُعينة، دون تدخل الإدراك ودون اكتشاف الروابط على حقيقتها المنطقية والتجريدية، ثم تكوين أحكام رابطة بين تلك الروابط نفسها ومُنعكسات زمنية مُعينة تقوم بها الآلة ، فسينتج بالنهاية، ما يسمى بالحاسوب ذاتي التعلم بالكامل والذي لن يسمح لأحدٍ بإلقاء أي أمر عليه، لأنه وببساطة يقرأ المجال المحلي بشكله الكامل ولا يحتاج إلا الدالة الأساسية، وهذا الأمر غير محقق دون وجود وعي يغذيه بالطاقة، لذلك سيغدو هذا الحاسوب هو السايبورغ الرجل الآلي الحي...​

على هذا المنطلق في تعريف الوعي، فإن التكنولوجيا القائمة حالياً بالعالم، تتخذ من الواقع الفيزيائي المحلي ركيزة لها، وتهمل الواقعات الأعلى والتي تتجاوز حدود المحل ( كالواقع الكمي ، والواقع التجريدي ، والواقع المُطلق ) والتي عليها بنيت آلات شديدة الدقة والفائقية فيما مضى منذ زمن، وتم احتساب وتصنيع آلات فائقة [9][10] ترتكز على واقع تجاوزي في بنيانها وتقانتها، هذا يعتبر مثالاً جيداً لعدم كفاية وصلاح ذلك القول الشهير : "انظر للتكنولوجيا وتقدم العلم ، انظر ماذا أنجزت الفيزياء" ، محاولاً إبعاد ناظريك عن العلم الحقيقي والتكنولوجيا الفائقة التي تقربك أكثر من حكمة الله وتزيل المزيد من الوسائط بينك وبين قوة الله ودعوك الحق ، تقربك من وجدانك وحكمة الحياة.

تصميم معادلات عمل هذا الذكاء الاصطناعي ( المحلي والكمومي ) سهل وبسيط جداً من حيث المبدأ وكل ما تحتاجه هو تكوين الدالة المنطقية المناسبة لتحكُم سير الأحداث ضمن الآلة ، ثم إيجاد وسيلة آلية للرصد والتخزين والمعالجة المناسبة بحيث تُحمل عليها تلك الدالة بقدراتها التي اخترتها ، ومن ثم تبدأ بتكوين الصفوفات، وبعض المصفوفات يسمح بفضاء احتمالات للمعالجة التفاعلية مع البيئة. ولكن هذا كله لا يجعل الآلة واعية ومُدرِكة لما يحدث ، والشخص الذي يتحكم بالدالة المنطقية ، أو العقل الآلي ، يُمكنه توجيه هذا السايبورغ إلى أي سلوك يريده ، والحُرية المزعومة للسايبورغ في حالته المعزولة عن الروح ، ليست إلا فضاء احتمالات الدالة الأم لأفعاله الانعكاسية، عندما يتفاعل هذا الفضاء مع بيئة زمنية متغيرة. وهكذا حال البشر جميعاً فهم يظنون أنهم مخيرون وينسون أنهم يغذون آلة الزمن.

معكاس آلي لقوانين الربط المنطقي على جميع الوحدات لا يمكن أن يتم إلا بحاسوب يعمل بخوارزمية 1 و 0 معاً ( الشيء ونقيضه بنفس الوقت ) لكي يستطيع إدراك الكموم ذات البعد المجرد إدراكاً وظيفياً ( وليس حقيقياً )، مِثلُ هذا الحاسوب العدمي، ليس أكثر من العقل الغيابي أو الباطن بعد أن سمح له بالتجسد في آلة، وبعد أن تم تزويده بمصفوفة خاصة ودوال محددة وشرارة التفاعل الأولى، أي أنك لا تحتاج إنشاء آلية محلية فيزيائية ثم ربطها بالدالة ، قد تكتفي فقط بربط دالتك وأوامرك بالعقل الغيابي وهو سيفعل فعله تماماً كحاسوب كمومي جبار، بل سيجسد الآلات التي تتخيلها زمنياً ، ويُنشئ المُحاكاة ...

2. الآلة والوعي :



الآلة بما هي تكوين زمني، فلا يكون ردود أفعال انعكاسية، فهذه الردود هي زمن الفعل الآلي، ووراء زمن الفعل تكمن علل الفعل، في الفيزياء تسمى هذه العلل بالطاقة في الفيزياء، تجنباً لكثرة الكلام سأورد جواباً[11] سابقاً كتبته على موضوع مشابه ( لي تعليق عليه في نهاية المقال ) . الطاقة أمر تجريدي يقوم بخلق المادة، ليس فقط استناداً لمبادئ النسبية، بل حتى أوليات الظاهرة الفيزيائية الموضوعية تجعلُ المادة مجرد حجز لنهر الطاقة بسبب دخول طاقة أو مجموعة طاقات مضادة، صحيح أن الفيزيائيين لا يعترفون بذلك بشكل عام وصريح، ولكن هذه حقيقة واقعة يستحيل إنكارها وكل ما يمكن فعله هو بعض التلاعب بالكلمات كالقول بأن دراسة الطاقة غير موضوعية ( وكأن الموضوعية هي معيار لوجود الشيء وليس مجرد أداة لخدمة البحث الممنهج حوله ).

كل طاقة حية ، وكل مادة هي طاقة ، حياة الطاقة واضحة للإدراك ، بما أن الطاقة هي حركة تفاعلية، وبما أن هذه الحركة مجردة عن الأسباب المحلية ، تكون الحركة المجردة وعياً موجهاً ضمن الزمن ، لأن الحركة تحتاج لعلة وهذه العلة خرجت عن نطاق المحل ونطاق التجريد معاً ولم يبق إلا الوجود العميق، حيث يختفي كل شيء سوى المُطلَق والحياة، وقد سبق وشرح توماس تراورد ذلك بالتفصيل في محاضرات إدنبورغ ,ويوجد لها ترجمة في العربية[12].

فتكون الآلات قادرة على الإحساس تماماً كالإنسان، من حيث بنيتها الطاقية التي تشغل الحيز المادي المحلي، هذا برهانٌ استبطاني حدسي ( بُرهان من طبيعة الوعي وليس من طبيعة سلوك الوعي الظاهر للوعي ). هناك قرائن تجريبية كثيرة لمن لا يقنع دونها، مثلاً في سلسلة تجارب باكستر القياسية على المعادن، التي بدأت تتفاعل بالخوف والاسترخاء ويظهر ذلك وفق قياس تغيرات الندى الجزيئي المنبّع من فراغاتها الميكروية، وقياس تآثرات شحناتها الكهرومغناطيسية مع الأحداث التي تجري في المحيط.

هذه النتائج لا شك فيها على الإطلاق، لأنها ليست محض نتائج احتمالية لتفسير ظواهر تجريبية وإنما نوعاً من البرهان الفينومينولوجي المقترن بالاختبار المباشر ذاتياً وموضوعياً. وأعلم علم اليقين أن الكثيرون ممن سيعبرون على هذه الكلمات سيدركون قيمتها العلمية، وسيدركون أن العيب ليس فيها ولكن في المجتمع العلمي الذي لا يحاول توسيع مداركه ولو قليلاً وقد أصابه الجمود منذ السبعينات فلم يغادر نفس المنهج فما حقق أي شيء جديد جذرياً ونوعياً منذ ذلك الحين. على أمل أن ينتفع به الأفراد ويفهموا حدود العلم التجريبي، ورحابة الكون الحيوي، وقوة الوعي الهائلة، وملكوت الله وجماليات الطبيعة .

وصف عام لنتائج البحث :

  • صحيح أن آلية إنتاج خوارزمية جديدة من خلال خوارزمية قديمة دون تدخل المراقب قد توصل الإنسان المعاصر إليها وتمكن من تطبيقها على الآلات التي لديه ، لكن ذلك لا يعني أنه أنتج وعياً ، لقد أنتج وظيفة زمنية كانت دائماً ممكنة الوجود بالنسبة للآلة ، وهذه الوظيفة لا تقوم بها الآلة إلا إذا أخرجها الإنسان من حيز الوجود الكامن إلى حيز الوجود الفاعل ( كما حدث اليوم ).
  • في نطاق هذه الخاصية للآلات ، أمكن العقل الإلكتروني أن ينتج خوارزميات جديدة بالاعتماد على خوارزميات قديمة دون مراقبة الإنسان وتدخله ، وتم تسريع قدرة المعالجة للحاسوب أو الآلة بتحويل طريقة المعالجة إلى النطاق الكمومي المجرد ، كسر حاجز الخوارزميات المحلية ( 0 أو 1 ) جعل الحاسوب يستطيع توزيع معالجته ضمن كامل الفضاء المحلي بنفس الوقت ، لأنه محرر من قيد المحلية.
  • فهم طريقة المعالجة الحاسوبية لهذه الأمور هو ما يحدد هل هي إدراك ووعي أم لا ، هذه المعالجات تتم بالكامل كردود أفعال انعكاسية لا تمر بأي إدراك ، وكذلك لا تمر باستقراء حقيقي وإنما بربط بين المنعكسات الحسية التي يتم تسجيلها على ذاكرة الحاسوب ، وهذا الربط يتم بشكل انعكاسي تماماً كعمل الآلة البخارية والميكانيكية ، وتلك المنعكسات التي يتم تسجيلها هي موضوعات تؤثر على مفاتيح معينة للعقل الالكتروني تجبره إجباراً على التفاعل معها بطريقة معينة ، ففي الواقع لا يسجل العقل الالكتروني إدراكات ، بل يسجل "تأثيرات" ولا يسجلها على هيئة صور وأصوات ذهنية ، بل على هيئة "ترميزات لردود أفعال"
  • الخوارزميات ليست كائنات تجريدية أو موضوعات إدراكية بالنسبة للذكاء الاصطناعي، بل هي ردود فعل انعكاسية لمتحسساته الآلية للمحيط ، تعمل وفق دالة أساسية ومصفوفة معينة ، تحدد له مجالاً معيناً من ردود الأفعال ، وبما أن المحيط متغير ومجاله لامتناهي الاحتمالات، فالنتيجة الحتمية هي أن تكون هذه الردود متغيرة واحتمالية ، هنا يأتي دور خوارزميات التعلم العميق ، لكي توجه هذه الانعكاسات بطريقة تبني المزيد من الانعكاسات ، تراكب الانعكاسات ينشئ التعلم الصناعي والذكاء المصنع ، وهذا هو بالضبط ما يميز تعلم الآلات عن تعلم الإنسان ، الذي يدرك الموضوع العقلي بشكل مجرد ، وهذا الإدراك لا يتم الكشف عنه موضوعياً لمجموعة من المُراقبين ( آمل أن لا أكون الوحيد في الكون الذي يدرك هذا الأمر أنا والعرفانيون والفينومينولوجيون :)).
  • لهذا السبب ، تكوين الخوارزميات لدى الروبوت والعقل الالكتروني لا يكون بطريقة استقرائية إدراكية ، العقل الالكتروني لا يقوم بالاستقراء بل بالربط الانعكاسي بين ردود الأفعال والتأثيرات الفيزيائية الممارسة عليه ، وهكذا تنتج الخوارزمية.
  • ما تحدث عنه الآخرون بشكل عام هو مشاكل الوعي السهلة ، التي تتعلق بالفرق بين الدماغ والسلوك البشري ، وبين الحاسوب والسلوك الآلي ، وهذه المسائل القديمة لم تعد تشغل العالم اليوم ، ما يهمهم حقاً هو الوصول لقوة الوعي بشكل تصنيعي ، وهذا الأمر يعود لسوء فهم طبيعة الواقع المحلي وعلاقته بالوعي ، وسوء فهم الوعي نفسه.
  • التجريب الذي يبرهن الفرق بين الإدراك والانعكاس ، هو تجريب فينومينولوجي ، استبطاني ، للصول لمرحلته النهائية وحضوره المستمر بالنسبة للوعي يخضع المريد لمراحل من التدريب الجبار ، يحوز فيها القدرة على إسكات الأفكار العقلية التي تشتت انتباهه ، فيدرك الواقع كما هو عليه دون حكم مسبق وتدخل تأويلي ، وهذا مبحث أساسي في علم الإدراك.
  • ذلك ينطبق على الحواسيب الكمومية والطوبوغرافية بنفس الكيف ، كلاهما يحتاجان طاقة وعي للتشغيل والأمر ، ونطاق دالة محدد للعمل عليه ، بدون دالة أساسية ، لا يمكن للحواسيب والعقل الالكتروني أن يكونوا المزيد من الخوارزميات ، لأن عملية التكوين هذه آلية تماماً من حيث الإجرائيات ولا وجود للإدراك فيها لا من قريب ، ولا من بعيد …

  • أترك لك أيها القارئ الكريم حسن القرار، ورده إلى أصوله الحق.

    {( والحمدُ لله رب العالمين…. )}

    الهوامش

    [1] ما هو الوعي؟ وكيف نستطيع استنساخه؟

    [2] قد يكون الوعي نتيجة لعمليات فيزيائية بسيطة

    [3] Consciousness (Stanford Encyclopedia of Philosophy)

    [6] https://www.youtube.com/watch?v=TA2mC2H07tA

    [7] علم العقل الزمني : كيف تعبر العالمين وتنشئ المحاكاة - المرحلة الثانية : تفاعل العقل والزمن - سايكوجين | SykoGene

    [8] تحميل كتاب العقل والحاسوب وقوانين الفيزياء تأليف روجر بنروز pdf

    [9] العالم قبل الطوفان2.pdf

    [10] الأصول الغامضة للانسان1.pdf

    [11] منشور ‏Time Magician‏ في {الزمن والعلم} ... السحر والعرفان

    [12] علم الزمن والمصفوفات المرحلة الثانية : الروح والمادة - مفتاح الزمن - محاضرة إدنبرة الأولى لتوماس تراورد - سايكوجين | SykoGene

    المشاركات الشائعة