شجرة الموقع

السبت، مارس 26، 2022

السفر عبر الزمن ... وعبور الزمن

 ما معنى أن تُسافِر عبر الزمن ؟

وما الذي ستُحَققه من سفرك ؟

هل تريد أن تذهب برحلة نحو فرنسا في مطلع القرن العشرين ؟ أم تريد أن تزور عصور الأهرامات ؟ ما هو نطاق الزمن أصلاً وما الذي يمكنك تحقيقه من خلال السفر الزمني ؟

أقصى ما يُمكن للمرء أن يطمح له عادة ، أن يعبر حاجز الزمن بينه وبين عصر آخر على نفس الكوكب ، أن يكتشف بعض الأشياء الغريبة ويعاينها ... ويذهب للمستقبل فيرى بعض الأحداث التي تبدو كأنها أمر خارق للطبيعة التي اعتاد العيش في نطاقها. يكون الأمر أشبه بمحاكاة رقمية فيزيائية ، للعبة تسلب كامل قوى إدراكه وانتباهه ...

الآن سافرت عبر الزمن ، وانتقلت إلى منطقة زمنية أُخرى ، بإدراكك ، في بداية تحسسك للواقع الجديد ستشعر ببعض المتعة والراحة النفسية ، لأنك كشفت سراً كونياً جديداً ، وبعد قليل أو كثير ، سيُصبح الأمر مملاً مرة أخرى ، وستعود نفس المشاكل التي تعانيها هنا لكن بطرق أُخرى تتناسب مع مصاديق تلك المُعاناة الزمنية ، ذات الوجه الزمني الجديد.

وبعد مدة وجيزة من الترحال بين الأزمان على هذا الكوكب ، ستمل الكوكب نفسه ، ولكن ما جوهر هذا المَلل الباعث للمرء نحو الرغبة بالاكتشاف ... آكتشاف العناصر الواقعية والزمنية ؟ إنه ثبات هذه العناصر بالنسبة للمرء ، لا تتغير خارطة الزمن ، ويبقى الواقع مُتحجّراً كصخرة على بصره ، وصخرة على سمعه ، وصخرة على عقله ، وصخرة أضخم منهم جميعاً على قلبه ووجدانه.

طوافُكَ في الزّمن ليس مَصدَرَ سعادتك ، بل هو مصدَرُ شقائك ، إنه جهنّم التي تعيشُها كل يوم وتكادُ تتمكّن منك ... لأن رغبة اوعي الحقيقية هي الخلاص من الزمن ، وليس العيشَ فيه ، رغبة الوعي أن يتجاوز حُجُبَ الإدراك المسماة بالمعرفة ، أن يتجاوز الأغلال التي تربِطُ ذاتَهُ وشوقها بالبحث ضمن الواقع الزمني ، أيّاً كان هذا الواقع ، إنه عبور الزمن إلى ما وراء أُفُق الحدث ، ووراء كُلّ الثقوب السوداء والبيضاء والأكوان ... هنالِك الحياةُ الحق ... لمِثل ذلك فلتعملوا.

تتبدّل الوجوه والأقنعة باستمرار ، وتتبدّلُ معها الأحاديث والحكايات ، والأماكن ، لكنّ الذي يبقى حقاً ... رغبة المرء بالجمال ، ذلك الجمالُ الذي يتحرر من حُجُبِ الزّمن ، فلا يرتبِطُ بوقائع وأشخاص ، لأنهم جميعاً قيود ، أزياء مزيفة ، إذا أنت تنظر لجسدهم المادي وهويتهم الزمنية ... الرغبة بما وراء أُفُق الإدراك ، ما وراءَ المُحاكاة والأزياء ، إنها القيمة من كُلّ شيء ، رغبة أن تكون لحياتك القيمة الحق.

فيسعى المرء باستمرار لكسر هذه الصخور ، محاولات بائسة ، بجمع المزيد من المال ، أو الحصول على ترقية في الوظيفة ، تعلم مهارة جديدة ، درجة علمية جديدة ، المزيد من الخطط والطموحات ، كلها تهدف لكسر صخور الواقعية المريرة التي تَحجُب الإدراك نحو مواضيع ثابتة جامدة لا تتغير ، كأغلالٍ أزلية تربط الذات البشرية ، كأغلال تربط حركة الزمن في أعمق أسباب المعاناة في الكون.

يبدو السفرُ عبر الزمن هو الحلّ السحري للخلاص من الأغلال ، حيثُ سيتحيا ما تريد بطوله وعرضه ، سيغدو الزمن مُحاكاة لرغباتك الإرادية ، تسافِر للبلاد التي لطالما حرمت رؤيتها ، وتكتشف أجواء الطبيعة وآفاق الحضارات المندثرة ، وتجوب الأرض طولاً وعرضاً بغير حساب ، لتحقق كل ما تحلُم به ، وتتزوج من ألف شريك دون أن يعلموا بذلك ، وتتذوق كل الأطعمة التي لطالما سمِعتَ بها ... أي إنسانٍ هذا الذي لا يحلم بمثل ذلك ، تلك الجَنّة الدنيوية الموعودة بمزيد من البحوث في الفيزياء أو علوم السحر والهرمسيات.

أي شخصٍ مهما كان قاسياً وعنيداً ، ومهما بلغَ شره وإجرامه ، مستعدٌ أن يتنازل عن كل أخطاءه ليتذوق شيئاً كهذا ... ورُغمَ ذلك ، سيبوء أمله بالفشل والوفاة ... لأنه بعد أن يرى كل أزمنة الأرض للمدة التي يمكنه الصبر عليها ، ويكتشف كل ما يمكنه أن يكتشفه ، سيُدرِكُهُ الملل مرة أُخرى وبقوة أعلى وهجوم أعنف ... فالملل ، لا يتعلّقُ بواقعٍ بحد ذاته ، أو بظروف محلية خاصة ، إنه يتعلّق بالزمن نفسه ، وعلاقتك به ... أيها الذات.

لقد ضعت أيها المرء في غياهب الزمن ، في لحظة ما من وراء هذا الحجاب ... لقد كُنتَ شُعلة نور مُطلقة في حضرة الرحمن ، الملك ، حين كانت السماوات والأرضُ بين يديك ... لقد انحرفت عن مسلكك ورغبت أن تعرف ، تعرف معنى اللامعرفة ، تعرف معنى اللاشيء ، والعدم ، تلك الشجرة الخبيثة ، التي تولد من ثمارها زمنك ... تموت كلّ يوم ، لأنّك لا تنتمي إلى هذا العالم ، ولا إلى هذه الأزمنة كُلّها ... بل إلى الوجدان وصمت الزمان.

إن نفس السبب الذي يدفَعُ المرء لمحبة المعرفة ، هو الذي يدفعه لاختبار أنواع جديدة من اللذة والجنس ، هو الذي يدفعُ لاختبار وقائع جديدة ، إن ما يجعَلُك تبحث عن الرحلات السياحية ، وما يجعَلُ المجرم يبحث عن الضحايا في أوكار الظلام ، وما يجعل الناس يتنافسون على الأموال ، ويبحثون عن الشهرة والسمعة والاحترام الأكاديمي والمواقع الإباحية ، كُلُّهُ ، رغبَةٌ واحدة.

رغبةٌ واحدة هي تلكَ التي جَعلَت شخصاً يغتالُ جون كينيدي ، وشخصاً يغتالُ أسامة بن لادن ... رغبة واحدة ، تجعَلُ شخصاً يكتُبُ كتابَ وهم المعبود ، وآخرَ يكتبُ كتاب وهمِ الإلحاد ... رغبة واحدة تجعلُ شخصاً يُغني الملحمة البوهيمية ، وآخرَ يُغني التايتانك ... تلكَ الرّغبةُ الواحدة ، رَغبةُ كسر حاجز الزمن ، كسر وهم الواقعية ، ليس بسبب الملل من الواقعية ضمن زمن محدد وله شكل محدد ومكان وتاريخ محددين ، بل ، لِأن الواقعية ... لا تتناسَبُ مع فطرة الله في الإنسان ، لا تتناسبُ مع رغبة الإنسان أن يعيش في فضاءٍ محدود ، حتى ولو كانت حدوده هي حدود زمن الكون نفسه ... لأن الكونَ كمحاكاة لرغبة المرء ، يكون مجرّد سجنٍ يأسرُ طاقة الرغبة ضمن مُحاكاة زمنية ، ولكن طاقة الرغبة لا تستوعبها الأزمنة الكونية والفيزيائية المُغلَقَة ، طاقةُ المرء ، ورغبتُه ، هي تجاوُزٌ للمحدود ، حين تغدو اللاحدود حدوداً أيضاً ، لأنها مجرد كثرة في الاحتمالات ، ولكن المرء لا يرغبُ بكثرة كمية في الاحتمالات ، وإنما يرغبُ بالخروج من نطاقِ الاحتمالات نفسه ... ولكن المرء لا يلتفِتُ لحقيقة رغبته بالخروج من نطاق الكون الواقعي ، والمحلي ، الذي يقيده بواقعة معينة ، لذلك ، يُتَرجِمُ هذه الرغبة على أنها رغبة في "المَعرِفة" ... فيطلبُ معارف لا تنتهي ، ويدخُلُ تحدياتٍ لا تنتهي ... ولن تنتهي أبداً ، حتى يتوقَّفَ عن الرغبة في المَعرِفة ، لأنها ليست رغبته الحقيقية ، وليس السفرُ عبر الزمن رغبته الحقيقية ولا تغيير وقائعه الآنية المحلية ، إنما رَغبَتُهُ هي كَسرُ حاجزة الأزمان ... إنّها : عُبر الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة