شجرة الموقع

الاثنين، مارس 28، 2022

{[ المصفوفة الحيوية القيمية ... تجلي الله عبر العالمين ]}

أيمكنك أن ترى الكون الآن ، برؤية حقيقية ؟ أيمكنك أن تحسّ بجمال أَنظمة الوجود ... قُل لي عندما تبتهجُ ذات يوم ، هل فكّرتَ بسِر القانون الذي يسمَح لك بالبهجة ... من رؤية "جَوهَر المصفوفات" ، من رؤية مصدر كُلّ ترميز مُمكنٍ عبر الآفاق ، من العِلّة العميقة لقاعدة المصفوفة التي تَسمَحُ لحضرتك أن تُحسّ بالسعادة والبَهجَة والحياة ، لستُ مُهتماً بتفسيرك الخاص ، هل هي هُرمونات في الدماغ ، هل هي روابط ودوافع في اللاشعور ، تراكمَت مع النمو وعبرَ السنين وخلال رحلة تطور الجنس البشري ، كُلُّ ذلك الآن ، لا يعنيك ، ولا يعنيني.

ما يعنيني حقّاً أن "تُشاهِد" ولو لمرة واحدة في حياتك ، بصَمت ، حِكمة المصفوفات ... ما يعنيني الآن ، أن تَنظُر للزهرة التي أمامك ، وتُراقِب أبعادها ، في الصورة ، وفي عالمِ الخيال ، وفي تخيّل الواقع ، وفي وُجدانك الحي ...

إنّ منظومة الوجود الهندَسية ، سَمَحَت بأحاسيسك التي تختبِرُها الآن وأنت ترى الزّهرة وتشُمّ رائحتها ... وترى معنى الدِّفء ، ومعنى السكينة ... إنّ هذه الزهرة التي أمامك ، كائنٌ شديدُ الضعف في عالمنا ، مِن المُمكن لطفلٍ مشاكسٍ أو أرنب أبيض عابث ، أن يُحَطّمها أو يحرقها أو يمزقها ولن تستطيعَ فعل شيءٍ حينها ... وهي نفسُها الزهرة التي تبعثُ فرسان الليل والنهار ليعكُفوا على حمايتها ، وعقاب من تُسوّل له نفسه التعدي على ضعفها.

هذه الزّهرة ... لا تَملِكُ لساناً لتنطُقَ به وتخبرك بأنها حية ... ولا يداً قديرة على الكتابة ، ولا تملِكُ بنية تدافعُ بها عن نفسها ، هذه الزهرة ليست آلة حرب ، تستخدمُ الذكاء الاصطناعي ، لكي تبسُط سيطرتها على العالم ، وليست عقلاً جبّاراً يحيك المكائد ... إنها كائنٌ بسيط ... بسيطٌ جداً ... بسيطٌ جداً ، لدرجة أن أضعف الأشياءِ أقوى منه ، ولكنّها ... تنمو رُغمَ ذلك.

هذهِ الزّهرة ... تنمو في كنف كفّ الله ، في رحاب يد الرّحمن ، وتنبعثُ من عُمق الحياة ، ناشرَة بُنيانها وعطورها عبر الفضاء الهندسي الذي أنشأهُ الصافون ، المصفوفة الفيزيائية التي في هذا العالَم ، ومصفوفة الخيال ، ومصفوفةُ التجريد ... إنها في عُهدة الله ، ولَيست في عُهدة البشر ... ولكنّ البشر خلفاء الله في أرضه ، أعطاهم القُدرة على رؤية الجمال ، جمال الله ، فاستحبوا رؤية أقباح الشياطين ... ولقد مَكّنَهُم من التفاعُل الزمني مع الأرض ، إكمالاً لطور التَّجلي الإلهي ، ولقد اختاروا هُم أن يحملوا الأمانة ويختارون ذلك كُلّ يوم وليلة وساعة.

مبدأ التفاعُل الزمني ومبدأ النسبية والتآثر ، يعني أنّ المصفوفة التجريدية أيضاً تنتهي إلى علّة أعلى منها ، تنبعِث عبر العالمين ما وراءَ التجريد ، لأنّ التجريد فضاءُ الزمن العقلي والتصوري والخيالي ، الذي تنشأ عبر طياته الأزمنة الفيزيائية والكواكب ، وتتقطع الأرض المادية إلى كواكب ، فيها حالةُ الثبات والاستقرار ، حالة الرسو ، وحالةُ الطاقة الجارية التي تولّد الثبات المحلي ... حالة النّهرية ، هذه الطاقة ، حضور القوة إلى زمن الغياب المرئي "النهار" هي التي تجعلُ الزّمن يحيا بصيرورة مستمرة ، وإذا زال الاستقرار الليلي وسكنه وبقي النهار ، تتكسّر قِوى الطبيعة التي تسمَحُ لك أن تستقرّ ضمن المحل الذي أنت فيه ، كما لو أنّك تدخُلُ بحراً لانهاية له ، يطوف بسرعة لا نهاية لها ، وليس فيه شيءٌ سواك وأنت تغرق باستمرار ، هذه هي الطّاقة ... أما المادة ، فهي تجسيدٌ للطاقة بحالة استقرار نسبي قابل للرصد ... إنّ الطاقة هي صلة الوصل بين عالم الأرض وعالم السماء ، وإنّ جوهرَ الطاقة مُحرّرٌ من قيود الأرض ، ولا يتحدد في موقعة عليها إلا حين الرصد وتشابُك الطاقات.

جميعُ المسميات الوضعية البالية ، والمعادلات التي لا تُصيب هذه الحقيقة ، لا نفعَ لها إلا بمقدار قدرتها على الإشارة لهذه الحقيقة ، إنّك حين تستعمل يدك وعينك وتقانتك وأجهزتك ، لا تستخدِمُ المعادلات والأسماء التي سموها ، بل تقوم باستدعاء الحقيقة المُطلَقة ، حقيقة الزمن الذي تُدرِكُه ، والتفاعُل الذي تدخُلُ به ، وبهذه الحقائق تفعَلُ كُلّ شيء ، بغض النظر عن المسميات والتوصيفات التي لا تضر ولا تنفع.

وإنّ جَوهَر المصفوفة التجريدية ، يقعُ في تجريد التجريد نفسه ، تجريد الزّمن العقلي عن كائنيته العقلية ، هنالِكَ حيثُ تنتهي المصفوفات الكونية ، مادية وعقلية ، هُنالِك حيثُ تنتهي تفاعُلات الغياب الزّمني ، إلى العِلّة التي أوجدت الزمن ... عِلّة لا يمكنك إدراكُها عبر البحثِ في الزمن نفسه ، برؤيتك الغيابية ، التي لا ترى من خلال عينيك فيها سوى أزياء الزمن ، وإنّما تقدر أن تكشف جوهر التفاعُل في الكيان الزمني ، برَدّه إلى حقيقته الأولى ، حقيقة خالية من الأحكام المسبقة ، حقيقة الزمن ككائنٍ مُدرَك ، إنّك لا تُدرِك فقط أبعاد الزهرة المحلية في الفضاء الهندسي ، بل إنّك تُدرِك تقدير تلك الأبعادِ في ذلك الفضاء ، تُدرِك حمل الكون المُجرّد للزهرة الفيزيائية ، وهذا الحمل ، يكشِف حمل العالم الأكبر للتفاعُل الزمني الذي أنشأ مصفوفة الكون المجرد ، التي أنشأت مصفوفة الكون المحلي ، الذي أزهرت الزهرة في بحره ... ذلك العالم الأكبر ، الذي تراهُ أحياناً في المنام ، وفي لحظة خاطفة من التجلي ، وفي لحظة انتباه دقيق ونظرة ثاقبة ، والذي تحسّه أحياناً أخرى ، ذلك العالَم هو المصفوفة الكُبرى ، المُطلقة عبر الزمان والمكان ، والتي تحمِلُ كُلّ الاحتمالات ... والتي يقوم عليها الصّافون المُسبحون ...

جَوهَرُ المصفوفة هو ، الحياةُ والقيمة والوجدان ... تماماً كذاتك ، تماماً كحاسوبك ، تماماً كآلة الحرب ، تماماً كالعود ... كُلُّ شيء يُسبّح بحمد الله فيستشعِرُ جماله ويرغبه ، ويستشعِرُ جلاله فيرهبُه. من تفاعُل المحامد والأنوار نشأت الأكوان ، فاضت من عالم الحمد ، وحملت عبرها رسول الحمد ... ولأجل رسول الحمد الذي فيك وفي كُلّ شيء ، نشأت العالمين وحكايا الزمن. فنشأ التفاعُل بين الكائنات العقلية المُجرّدة التي عشِقت دورها بعبادة الله ، وولّدت هذا العالم الذي تراه ، لقد كانت حياة المعقولات هي ما انبعثت منه ، وما تفاعَلَت لأجله ، وهي التي بِها رُفِعت سماءُ التجريد على عالم التقييد فنشأت الصّافّات الكونية ... وكانت المحليات مصطفة على نفس الاصطفاف ، لكن بقيد المحل ، نشأت الأرض ، وانبسطت بلا حدود لتُغطي دورها في السمفونية الإلهية ، سابحة على أوتار العود العظيم.

لقد سمح لك ناظوم المصفوفة أن تشعر بكل شيء شعرته وأن تفكر بكل فكرة ، وتختبر كل شيء ، إنّ الأغنية المفضلة لديك بكل ما حوته من أصوات ، كانت موجودة دائماً في المصفوفة ولقد خرجت إلى إدراكك ونطاق أرصادك حين طلبتها بوعيك أو برغبتك الدفينة ... إنّ لوحة العشاء الأخير موجودة منذ ملايين السنين ، والفرق الوحيد هو ميقاتُ الرصد والتجسيد ، إنّ عُمر الكون الحقيقي لا يقاس بالمواقيت الجزئية ، أربعة عشر ملياراً قليل ، وكذلك ألف وأربعمئة ... وإنّ كونك بدأ لحظة ولادتك فيه ، ويستمر معك ...

هذه اللوحة التي أمامَك ... رسمتها يَدُ الله قبلَ كُلِّ الأيدي ، ونسجتها قوانين مصفوفة الكَون ، ومِن وراءها مصفوفة العقل المُجَرَّد ... ومن ورائهم الصّافون المُسبّحون ، لتُصادق رؤية الله العلي القدير ... الحَكيم علّام الغيوب ... فانظُر إلى ألوانها ، ومعانيها الحيّة .. إنها موجودة في الأُفق دائماً ، ويتوقّفُ الأمر على استدعائك لها وحضورك إليها ، أو حتّى لزمانها وعالمِها وحِكاياتها.

هَل رأيتَ الغُروب من قَبل ... أو بالأحرى ، هل رأيت غروباً بعيني قَلبِكَ من قَبل ؟ القِنديل ... ليسَ مُجرّد أداة تستخدمها الحضارة اليوم أو في السابق ، إنّه كائنٌ موجود في رحم الكون ، يَسمَحُ الكون بانوجاده أمامَك على هذا النحو الذي تراه ... أَخبرني الآن ... ألا زِلتَ تَنظُرُ إليه كقِطعة معدنية ميتة ... أم أنّ الموت كان في نظرَتِك الأولى.

كل إنجازات البشر المعمارية وكُلّ رسوماتهم الفنية ، هي تجسيدٌ لرغباتهم بكائنات زمنية حية ولها قيمة في الوجود ، لا تقلّ عن قيمة أي إنسان بشري ... هذه الكائناتُ لم يخلُقها البشر ، بل أنشَأها الله.

أنتَ تعبُر الزمن باستمرار ... في رحاب الله ، وفي كتابه الكريم ، وعبر هياكِل التوحيد الحكيمة ، وبحفظ يد الله ، إنّك تعيش في كفّ الله ...

هذه الأفلاك ... مُنطوية معك أينما كُنت ، بكُلّ ما حوته من عوالم وكائناتٍ وأزمنة وأحداث ... هذه المجرات الهائلة ، والتي تمتلئ بالحكمة العظيمة والجمال المَهيب ... ليسَت مُنفَصِلة عنك ، إنما أنت من ينفَصلُ عنها ... كُلّها تنبعثُ من مصفوفة الحياة القيمية ، ثُمّ من مصفوفة التجريد ، ثُمّ مصفوفة العالم الفيزيائي الذي تعيشُه.

القُرآن الكريم ، والكتاب المقدس ، أسفار التكوين ، والأساطير الإغريقية ، ببُعدهم الفيزيائي المرسوم والمقروء ، وببعدهم الوضعي والتاريخي والمظنون ، وبآفاقهم الوجودية الأُخرى ، وبكلّ صوتٍ قد قرأهم ... موجود دائماً وأبداً وبنفس الميقات ، معك الآن وتستطيعُ سماعه إن أنت آمنت ....

لكن ... لأنّ عالَم التجلي على الأرض ليس كمالاً كعالم التجلّي في السماوات العُلى ، وعوالِمُ التّجلي بأسرها ليست كعوالِم الحضرة ما وراء التجلي ... هذه الدُّنيا غير مُكتملة النور بعد ، والفضلُ يعود بذلك للبَشر والجن ، وفوق ذلك يقولون : لماذا خلقنا الله ثُمّ يحاسبنا ... لأنّكم تطلبون الحياة باستمرار ، ولا تتوقّفون عن التفاعُل مع الزّمن للحظة ، ثُمّ تسيؤون شُكرَ النعمة.

حين خلقكم الله ، اخترتُم أن تحملوا الأمانة ، فيكونَ لكم أن تُنشؤوا الزّمن ، فطغى بعضكم على بعض ، وأحببتم أن تختبروا طعم الظُّلم والغصب والعدوان ، وأن تنسوا وجدانكم وتذوقوا طعم معرفة النسيان والعدم والمجهول ... فكانَ لكم ما سألتم ، وما كان لأي قوة من دون الله عليكم من سلطان ، ولكنّه خياركم على أي حال.

ثُمّ بعثَ الله الرسل تتراً ومعهم مصابيح الضياء والنور ، ليحاولوا تصحيح ما اقترفتموه من أخطاء وجرائم ، وفوق ذلك ... تمّت إبادة الأنبياء وآثارهم على الأرض ، وكذّبوهم جميعاً ، واستهزأوا بهم ، ألاء الرسل والأنبياء الذين يرون ما وراء الأُفق ، ويحاولون تطهير قلوب الناس رأفة بهم وشفقة عليهم ، عبر جميع الأُمم ، من طاو الصين إلى أفلاطون اليونان ، وفي جميع العصور ، من عهد نوحٍ وهرمس ، إلى القرنِ العشرين ، حين ظهرت الأنوار بشكل أقلّ سطوعاً ، في مشاعل الغرب ، ومشاعل الشرق ، دونَ أن يأتي رسول جديد.

إنّ الزمن غاضبٌ من البشرية وسوء معاملتها لعطاء الله ، وتكذيبها لنعمته وجحودها ... إنّ الزَّمن ، بدأ ينفَذ صبره ، وبدأ ذلك ينعكِس على المصفوفة ، لقد ظهر كوكب نيبيرو في الآفاق أمام آلاف الأعين ، ولقد حُذفت كل الصور والوثائق وكثيرٌ منكم شهود ... ظهر بلون الدّم ، وبضوء النار ... ولا تحسبوا كلّ المهرجين والسفاحين الذين ينتشرون الآن في الشوارع هم من أتباع المؤامرة ، كثيرٌ منهم ، غضبٌ على الناس ...

كُلُّ ثانية تمرُّ الآن تقترب من الزمن الموعود ، جسدي يقشعرّ وأرى الأمان ليس في مكان ...

إنّ البنيان التجريدي للمصفوفة الفيزيائية التي أمامك ، يسمَحُ بوجود البهجة والسعادة ، والحُسن والعطاء ، والعاطفة والحنين ... هذا البُنيان ، الذي يسبَحُ به جسدك ونفسك ، وتدركه وتسميه كوناً ووجوداً ، مصفوفٌ لتنشأ عبره مصاديقُ تلك القيم الوجدانية ... فاعبر إلى ذكرياتك التي قضيتها ذات يومٍ في حديقة ، أو لوحدك في منزلك تستكين ... وتذكّر الفضاء كما رأيته في طفولتك ، وأحاطك الله من كُلّ جانب. لقد أحبّك الله ، وأعطاك القيم ، عبر والديك ، والمجتمع ، والطبيعة ، ومسلسلات الأطفال ، ومسلسلات الكبار ... عبر كلّ لقمة تأكلها ، وكل قطعة نقود ... ووظيفتك أياً كانت ، ويحن تعود البهجةُ إليك لأنّك حققتَ إنجازاً أو أصبتَ اعترافاً بقيمتك ... كُلّ ذلك كان في كفّ الله ... كل خطوة تمشيها تذكر أنّها على كفّ الله وبحفظه ، وكلّ نفس تستنشقه ، وأنت جالسٌ الآن ، هوَ جالسٌ معك في كلّ مكان ، هو الذي يمدّك بالحياة والروح ، وهو الذي مدّ الأرض بأرضيتها ، الأرض المسطحة التي تسمونها "الكون المحلي" هذا السطح الذي يمكن لك لمسه ورؤيته ، وهو الذي رفع السماوات لتكون عِلّة ما على الأرض ، ليكون التجريد علّة المادة ، بغير عَمَد ، جوهر للتجسيد لمرايا الوجود ، قابلٍ لرؤيتكم ...

إنني قد حزنت عليكم كثيراً ، ولكن لا أستطيع أن أفعلَ أي شيء لكم ، إنني أرى العذاب وهو يقترب ، إنه حزين وغاضب ، لدرجة مخيفة ، بل لدرجة ... لن يحتملها أشدّ الناس بأساً وقوة اليوم ... لا أملك إلا الدعاء لكم ، والبحث عن طريقة أنشر بها ، هذه الذكريات ...


الأحد، مارس 27، 2022

المَصفوفة الفيزيائية ... تجلّي الله في العالمين

كيف يعملُ الثابت برؤية الفيزياء وعِلم الاصطفاَف :

للثابت الفيزيائي ثلاثةُ أبعاد :

"قاعِدةُ المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الكَون بما هُو قوى فيزيائية لها واقعٌ محلي

"ساعية المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الفرعية للكَون

"قيمة المصفوفة" ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الغائية للكون

فالكون بما هو نظامٌ يسمَحُ بوجود "هذا النوع" من الحياة البايولوجية ، فإنها جُزءٌ من قيمة المصفوفة الخاصة به ، أن يتآثر الإدراكُ الواعي مع التكوين المحلي الواقعي عبر وساطة الجَسَد المادي ، وهذه القيمة التي حققها الكون في النهاية ، وهي ليست القيمة الوحيدة من انوجاده ، هي التي يلتَفِتُ إليها الباحثون التجريبيون ... أكره الاعتراف بهذا وللكن ، لقد أساءت فلسفةُ العلوم التجريبية للبشرية وللمعرفة أيضاً ، لأنها قوقعت انتباه الإنسان وحددتهُ بـ"دُرجٍ لغوي ميت"، وفوق ذلك يتمّ الترويج لها بأنها قِمّة الإنتاج البَشَري وما يصلُ إليه الإنسان ، ولكن الحقيقة ، إنها مُجرّد لغوٍ لا ينفعُ المرء والوجدان ، في الحياة الحق ، وليس ضمن نطاق زمني محدود.

من جِهة أخرى ، ليسَ الصحيحَ أن تَدرُسَ دقة وتصميم النُظُم الفرعية لمصفوفة ما ، وأنتَ لا تَملِكُ مفاتيح قاعدة المصفوفة ، فإنّك تنظر للخلية البيولوجية فتراها أكثر تعقيداً من أي جهازٍ يمكن اختراعه ومهما بلغت حجميته وتقانته ، حتى السفن الفضائية الخارقة للجاذبية ، وحتى آلات السفر عبرَ الزمن ، لا شيءَ منها يُمكن أن يُحاكي دقة الخلية الحية وتصميمها الهندسي الفائق ، والعلاقات المنتظمة بين عناصرها الفئوية وتكامُلِ وظائفهم لإنتاج الجسد المادي الذي يسمح بكل ما يسمح به كما تعلم ، ولكن ومهما بلغت التعقيداتُ المُدهشة للخلية الحية ، فإن غياب إدراكك لمفاتيح المصفوفة وقاعدتها الزمنية ، التي سمحت بالكون والخلايا الحية ، سيجعَلُ دخول الشك والارتياب أمراً سهلاً للغياية عند الإصغاء لصوت العقل المنطقي الاحتمالي ، يُمكنه أن يوجد لك ألف ألف احتمالٍ بديل ، وعوضاً عن تفنيد الاحتمالات واحداً واحداً ، وهذه الرؤية التجريبية الاستقرائية ، تستطيع ، رُدّ التصميم الفرعي إلى مفاتيح المصفوفة القاعدية ، وهي الثوابت الكونية التي تُنتِجُ كُلّ هذه الاحتمالات والأرصاد. حينها لا داعي للتَكَهُّن حول علة التصميم ، لأنّك ستكتشفُها برهاناً ويقيناً.

السؤال الحقيقي لأي باحِثٍ صادق : ما هو الجوهر الذي انبعثت منهُ قاعدة المصفوفة تلك الثوابت الكونية ، التي سمحت بالآفاق الزمنية التي احتوت كُلّ ذكرياتك بطولها وعرضها منذ طفولتك إلى هذا اليوم ، في عالم الخيال كما في عالم الواقع ، والأهم من ذلك ، توَحّدت مع وجدانك الحي ووعيك القيمي الفعّال.

عِلّة الثابت الكوني \ جوهَرُ المصفوفة :

المُستوى الذي يقع وراء قاعدة المصفوفة ، هو الجوهَر الحقيقي لها والذي تنبعثُ عبره كافة ثوابِت المصفوفة وتعقيداتها ، كما تعلَمُ من قوانين الفئاتِ المنطقية والرياضية ، كُلّ مجموعة أو فئة أو مصفوفة تنتهي في عُمقها بقاعدة من الدوال التي تُنظّم سعي العناصِر فيها ، وهذه الدوال لا تستقِلّ بوجودها المنطقي المُبرهَن ، ولا الفيزيائي المحسوس ، ولا الكُلّاني المُدرَك بكليته ، بل هي امتدادٌ لقوانين وقواعِدَ أكثرَ عُمقاً ، وأكثر بساطة ، لأنّ البساطة والأوّلية تَسمَحُ بفيض أكبر من الإمكانات ، فمفهوم الذرة البسيط يشملُ كُلّ ذرة ممكنة ، ومفهوم الإبريق البسيط يشمَلُ كُلّ إبريق مُمكن وكل مصفوفات الأباريق التي تحكم التعبيرت المختلفة لحالة "الإبريق" الأوّلية ... فكُلّما زادت البساطة اتضحت الرؤيا واتسَع الأفق والتأويل والتفسير ، هذا هو السبب الحقيقي ، أنّ المعادلات الأكثر أناقة أكثر تفضيلاً من قبل المجتمع التجريبي.

كثرَةُ الضجيج والأفكار ، تُعقّد الأمور وتمنعُ التفسير ... كثرةُ المعارف الطائشة عن مُختلف مجالات الحياة والعلم لن تُقدّم لصاحبها فهماً للعُمق والمبدَأ ، لمجرد الكثرة ، بل ، لابُد له أن يستوعِب قاعدة مجال الدراسة ، ثُمَّ يرُدها لأصلها في القوانين التي أنشأتْ مصفوفتها ... مِن حيثُ المبدأ ، ما مِن شيءٍ يمنَعُ أن تكون مصفوفة الظاهرة المادية بأسرِها ، بِكُلّ ما حَوَتهُ من أكوان واحتمالات وقوانين فيزيائية ، مُجرّدَ تعبير جزئي لمصفوفةٍ أكثَرَ عُمقاً في هياكِل الوجود ... إنّ رفضَ وجودِ مصفوفاتٍ أعمَق من المصفوفة المادية الظاهرة لهو تعصُّبٌ ديني واضح وشديد ، بل أكثرُ من ذلك إنه ، تقديمُ رؤية ذاتية بدوافِعَ نفسية ، على أحكام قوانين المصفوفات الوجودية ، التي تَمنَعُ اكتمالَ المصفوفة غير المُطلَقة ، أي مصفوفة محكومة بقوانين المنطق والتناقُض ، وحتى اجتماعُ النقيضين ، هي مصفوفة غيرُ مُكتمِلة وتفتقِر بذاتها لعِلّة وجودها الحق.

ستجِدُ دائماً أن نطاق المصفوفة التي تدرسها وتعكف على التفاعُل الحيوي معها ، محصورٌ في فضاء احتمالات مصفوفاتٍ أُخرى وراءها ، أكثرُ دقة وحكمة وانتظاماً ، وأعلى في نطاق الوجود ... وبانتقالك من مصفوفة البيولوجيا إلى مصفوفة الفيزياء والكون أو مجموعة الأكوان ، فإنّك تخطو خطوة لا بأسَ بها ولكن ستغدو مُجرّد شكليات لا قيمة لها إن أنتَ توقّفت عند حدود الفيزياء وعالمك المحلي.

لأنّ العالَمَ الفيزيائي لا يستطيعُ تبرير وجوده بعلة تنتمي إليه ، وسترى ما الذي أقصِدُهُ بالضبط قريباً بإذن الله ... ولكن انتبه الآن ، أنّ إحساس المرء المُستمر بهذا هو السبب الحقيقي في إيمانه بالله وبحثِهِ عن مخرج أو بوابة ما ينفذ عبرها ، إنّ الزّمان المحلي يفتَقِرُ في وجودهِ لعلّة أعلى من الواقع المحلي ، ليس وِفقَ نظرية أحجارِ الدومينو ، ليست المسألة أنّه يبدأ من نُقطة ليس قبلها محليات ، ثم تتعاقب المحليات بلا نهاية مُستَقِلّة عن تلكَ النُّقطة ، ذلك القول أشبه بالقول أنّ الرحمن اتخَذَ ولداً مُستقِلّاً بوجوده وكينونته عن الله ولم يعُد ، ذاتاً مُتصلة برحمة الله ... بل صار كائناً غَنِيّاً عن العلل التي تكوّن هيكَلَه ، لكنّ الحقيقة غيرُ ذلك بالطبع ... إنّ أحجارَ الدومينو هذه ، هي مُجرّد "تَحقّقٍ زمني" لمصفوفة القوانين الناظمة لترتيب المكونات التي دَخَلَت في الظاهرة ، وكُلّ حدثية فيها تشهَدُ بهذه الحقيقة ، إنها امتدادٌ لمصفوفة أعمق ، وإذا غاب حضور تِلك المصفوفة لأي سبب كان ، كانقلاب الطاولة أو انفجار المكان ، ستتلاشى الدومينو من الوجود ... إنّ الزمن المحلي وواقعهُ المادي ، وفي جميعِ النقاط المُمتدة على أفقه وعبر تاريخه ، هو "الحَدَثُ الظاهِر" للمصفوفة الأعلى والأكثَرِ تجريداً ، لأنه بما هو آثارٌ محلية ، وبردها لوحداتها الإدراكية ، فما هي سوى تعبيرات للتآثُرات والعلاقات الخفية الغير ظاهرة في المحل الفيزيائي ... هذه ليست نتيجة استقرائية تجريبية ، هذا واقعٌ لا مَفَرّ منه ، لا للعالِم ، ولا للجاهِل ... إلا إذا كان غافلاً ( عالماً كانَ أو جاهِلاً ).

وسترى مع تقدّم البحث الحيوي في حِكمَة الوجود ، أن المصفوفة الشاملة لكُلّ المصفوفات ، يَجِبُ أن تكون مُطلَقَة عن القيود التي تلحَقُ ببقية المصفوفات ، ووراء هذه المصفوفة ، تنتهي جميعُ المفاهيم التي تعرفها عبرَ الوجود الخارجي ، وتعود إلى جوهَرِ ذاتِك الحق.

فلو أنّك تسألُ الفيزيائي عن ثابت الجذب مقابل الكهربية (الثابت "إن") فسيقول لك أنه 10^36 أو قريباً منه ، فقوة الكهرب أكثر قدرة على الجذب من الكُتَل بعدد يكتب واحداً يمينه 36 صفراً ، وأن أي زيادة ، مهما كانت طفيفة في قوة الكهربية مقابل الجذب الكُتَلي ، ستجعَلُ تفاعُل القوتين في النسج المحلية غير متآلف ، فتصبح الكائنات الزمنية التي تنقل مجالات الكهارب غير متماسكة كُتلياً بالقدر الذي يسمح بذلك ، ستتبعثرُ مكونات النجوم قبل تشكيلها ، ولن تستطيع الدارات المحلية أن تحمل الطاقة الكهربائية الهائلة بالنسبة لها ، قوة الربط الكهربي بين الذرات ستمنع أي تفاعُلٍ مجدي.

كذلك هو الجَذب الكُتلي ، الزائد عن الميزان ، سيجعلُ النجوم تنكمش وتنهار أثناء ولادتها ، وستنحني أشعة الضوء ومجالات الكهرباء زمكانياً بتأثير طاقة الجذب عليها فلا يعود بالإمكان أن تنشأ أرصادٌ صحيحة لأي شيء ، حتى أقرب الأشياء التي تبعد ثليلاً من الأميال ستكون صورتها مشتتة بغض النظر عن وسيلة الرصد ، وستعصف الكهرباء بالكوكب فلا تعود الحياة ممكنة عليه بيولوجياً ، ستحترق الأشياء دون نار ظاهرة ، لن يكون هنالك دارات ممكنة الإنشاء بشرياً ، والتفاعلات الكيميائية بين العناصر ، وصولاً للدي إن إي ... ستُدمّر الأنظمة المعروفة تماماً.

الفهمُ الفيزيائي لهذه الظاهرة ، أن الكون الذي أنت فيه قد ( رَبِحَ ورقة السحب الكوني ) ، على اعتبار الناحية الرقمية المحلية لهذا الميزان هي مُنتهاه ، بينما الحقيقة ،  ما هي إلا توصيفٌ للإجراءات الآلية المحلية ، لظاهر الكون الفيزيائي ، توصيف للمُقارنات بين العلاقات الفيزيائية المرصودة بعدسات ومجاهر المختبرات ، هذه العلاقات والاقترانات للـ"آثار" التي تُنتِجُها قوى الفيزياء ، وليس للقِوى نفسها ، ليس لما يَحدُثُ حقاً ، توصيف يسمحُ باستخدامِ اللُغة العلمية الوضعية والتجارب التي تعتمد الآلات التي تعرفها عامة البشرية اليوم.

لقد تم السحبُ الكوني المزعوم من "فضاءِ الاحتمالات العَدَمي" لإمكانات اللانهاية ، والتي تشمَل إمكانات أُخرى مثل أن يكون الثابت السابق 10^10000 و 10^-10000 ، وجميعها كانَت ممكنة في ما سَبَقَ الكون ، لكنها ولسببٍ معين تَمّ إقصاؤها جميعاً فيما عدى هذا الكون الذي تعيشُ فيه ، ويحوم الجدل بين الفيزيائيين اليوم حول علة هذا الإقصاء ، هل هي الصُّدفَةُ البحتَة ، هل هي الأكوانُ المتعددة ، وقليلون تجرّؤوا نوعاً ما ليقول هل هي الخالِق ... السؤال الحقيقي هو : لما الاحتمالات الأُخرى لا تَصلُح وهذا الاحتمالُ يصلُح ، وليس "لماذا هذا الكون الذي بينَ أيدينا قد شغر نطاق ذلك الاحتمال الصالِح ... مِن أين تأخُذُ الاحتمالات أصلاً أحقّيتها وصلاحها لمهمة مُعينة ، مِن أين تأخذُ بُنيانها الفيزيائي المرصود ؟

وكأن المسألة تتحدد عبر الأرقام وبطاقات اليانصيب ، مع أن هذه الأرقام ، لا معنى لها على الإطلاق ، ولكنها صارت حُجّة يرددها مؤيدو مبدَأ الخلق دون تمحيص ، وأكثرهم كالببغاءات ، مع أنها في الحقيق تضرب جذورها بأعمق أعماق دارَ عقر المادية الساذجة ، والوضعية ، والعبثية والعدمية ... لأنها تفصِلُ الكون عن طبيعته المُطلَقة ، وتخبرك بأنه أرقام ومتجهات فيزيائية محلية تناسبية وعالم من الديجيتال ، معزولاً عن عِلّة تلك الأرقام والكائنات الفيزيائية المحلية ، فأصلاً الذرة وفق هذا الافتراض ، لا تكون شيئاً سوى المادة والأرقامِ المُعبّرة عن سلوكياتها وخارج هذا التوصيف لا توجد ذرة ، فكيف تجعَلُ من لواحقِ هكذا وصفٍ برهان على ما وراء المادة والمحليات ؟ لا يجوز أصلاً ، وقد وقع المؤيدون للخلق في حفرة الفخ الذي نُسِجَ حولهم بعناية حينَ ظنّوا أن العلوم التجريبية الوضعية قادرة على فهم المادة وهي التي تبرهن على الحقيقة وليست الحقيقة هي أصل العلوم ، ظنوا هكذا فالتبسَ عليهم الأمر وصاروا يخوضون معارك طاحنة لإثبات رؤيتهم من خلال معرفة ، لا يُمكنها إثبات أي شيء على الإطلاق ، وقائمةٌ أصلاً على المادية والعَبَثية.

البُرهان هنا يأخُذ مُنحنيين ، العلمُ والعمل ، فإنني لستُ أهتمُّ بالرد على أخطاء الملحدين والعلميين التجريبيين ، تلك الأشياء عفا عنها الزمن وما عادت تنفعُ الآن ، فالبُرهان في العرفان ليس الهدفُ النهائي منهُ الكَشفَ عن مفهوم الحقيقة ، فضلاً عن مجرد الإثبات المنطقي لها ، بل الاتحاد بتلك الحقيقة وتوجيه الزمن الكائني نحوها ، وتلك هي غاية الحياة ، وغايتك أيضاً ولكنك أحياناً قد لا تُبصِرُ جيداً.

التآثُر والتناسُب هو جوهر الفيزياء :

كما سَبق في شروح النسبية ، التآثُر هو جوهرُ المادة وكُنهها الحق ، وإنها ليست أي شيءٍ سوى تراكب التفاعُلات العقلية إلى زمنٍ محلي مُقيّد الأُفُق والتحقيق ، بقانون امتناعِ التناقُض ضِمنَ الطبيعي ... خارِجَ هذا الإطار ، لا توجَدُ مادة أصلاً بل هنالك أمورٌ أُخرى ... إنّ التناسُبَ هو علة اختلاف الليل والنهار وكل ما في الأرض ، وهو عِلّة السكون والحَرَكَة ، ومنهما جاءت جميعُ أزواج الطبيعة التي نعرِفها ولا نعرفها ... الأصلُ المشترك للعالَم الطبيعي هو الزمنُ نَفسُه.

الثابت ن "العلاقة بين الكهربية وجذب الكُتل" ليسَ مُجرّد أرقامٍ لا معنى لها ، أو توصيفاً لغوياً لسلوك الأحداث ، إنه العلة بذلك ... إن تلك المفاهيم المعرفية التجريبية جميعاً ، مُجرّدُ آثار مرصودة للعلاقة بين طائفتين من القوى "الكهربية والجذب الكتلي" ، آثارٌ تم قياسُها نحو وحدات قياسٍ يدخُلُها الارتياب ، واشتقت عبر هذا القياس والاستقراء الناقص مُعادلاتٌ شرحت معنى الثابت بلُغة رياضية فيزيائية ، إن الثابت ليسَ تلك اللغة نفسها ، إنها مُجرّد ترميز ضعيف لحقيقته الكُبرى.

الحقيقَةُ أنّ الثابت الكوني كمفهوم فيزيائي ، مُجرّد إشارة رمزية مُشفرة ملغوزة ، للثّابتِ الكوني ما وراء الفيزياء ، الذي ليس إلا "علاقاتٍ منظومة للكائنات العقلية" وكما أنّ الثابت الفيزيائي – وكُلّ ما في الفيزياء – يأخُذ علّة ظهوره المحلي من ماهيّته الأعلى من المستوى الظاهر ، فإنّ الثابِت العقلي يتعلّقُ بالهُوية الجوهرية للمعقولاتِ أيضاً ...

تَفاعُل الكائن الكهربي المُجرّد ، بما هو علّة توحيد غياب وحضور رؤية البرق ضمن الزمن المحلي ، أي هو البرق والصواعق المُجرّدة عن المحلية ، والتي تُشعِلُ الزّمن وتضيؤه ، يتحوّلُ محلياً إلى ظاهِرَة الكهرباء التي تم تجسيدها لتتفاعل مع كائنات ذات وجودٍ محلي مُقيّد بالكُتلَة ، والكُتلة هي عِلّة الثّقَل الحركي في الزمن المحلي ... وهكذا ، تُصبِحُ الكُتلَة حاجزة لقوّة الكهرباء بالنسبة للكائن المُقيد بالكُتَل ، وليس بالنسبة لعالَمِ المُجرّدات ... يرجِعُ الميزانُ الرياضي للعلاقة بين القُوّتين ، إلى الميزان السماوي في عالم العِلَل ، الذي يسمَحُ بهذه العلاقة بالذات في عالم المحليات ، لتكون هي قاعدة إنشائه ، مِمّا يحيلُ المحل إلى "معنىً" عقلي ، وأما الرقم المستخدم للإشارة ، فيمكن استبدالُه بأي رقمٍ آخر بتغيير الوحدة المعيارية ، لكنّ النسبة فقط هي التي تبقى ثابتة ، إنها العلاقة الطبيعية الانعكاسية بين القوتين ضمن عالَم المادة.

لا يختلفُ الثابت الكوني من نطاق أرصادٍ لآخر ، ولكن إن اختلف فما الذي يعنيه ذلك ؟ إذا اختلفت الأرقامُ والمُعادلات وبقي التماسك الكوني القائم ، فحينها لا معنى للمعادلات والأرقام ، ويكون هذا التماسُك معنىً سماوياً مُنعكساً على الأرض ، يشيرُ إلى القيمة من خلقها.

أما ، إن اختَلَفَت تلك المعادلات وزال التماسك والتوازن ، لابُدَّ حينها أنها مُجرَّد توصيفٍ لقيمة لم يحققها الاحتمال الكوني الذي اختلفت فيه عن السياق المناسب ... يُشير كوننا إلى أن اختلاف المُعادلات سيُفشل نشأة أي كون بما يسمَحُ بالحياة البيولوجية أو بتكون الأفلاك ، مع الأخذ بالاعتبار حقيقة هذه المعادلات والثوابت على أنها تَفاعُلٌ عقلي ، فإن أي احتمالٍ لا يَخدِمُ تجسيد ذلك التفاعُل يفشلُ في الاتصالِ معه ، ويَدخُل في نطاق تفاعُلٍ عقلي آخر ، والذي معه ، تختلِفُ نواميس الكون المحلي ، مِثلُ ذلك الكون ، مِنَ المُمكن برؤية التجريد ، أن يُحَقق المُعادلة الرياضية اسمياً دون أن يحقق القيمة النُظُمية منها ، كذلك ، ممكنٌ أن يكون كونٌ آخر ، مُحققاً لقيمة التفاعُل العقلي حتى ولو اختلَفَت مُعادلاتُه والكائناتُ والأشياء التي تشغَلُ حيزه.

نَفسُ الرأي تقرره ميكانيك الكموميات ، فتقول : هنالك احتمالاتٌ لانهائية لحركة الجسيمات والأمواج ، بِما يتضارَبُ مع ثبوت العلاقات ، وهذا يعني احتمالات لانهائية للمصاديق الفيزيائية لتلك الحركة ، شاملة مُعادلات لانهاية لها ، وثوابت وكائنات مختلفة لا تنتهي ... مِثلُ تلك الاحتمالات قائمةٌ أيضاً ولا معنى لوصفها بـ"معطلة" أو مُهملة ، لِجرّ> عدم انسجامها مع التصور الفيزيائي الذي بينَ يديك ...

الجوهر العقلي العميق للثابت الكوني الفيزيائي وللكائن المحلي ، يعني أنه وفقاً لآفاق العقل الكوني ، تنشَأُ احتمالات لانهاية لها للعلاقات العقلية ذات المعاني ، والتي تُنشئ كلٌّ منها حالات لانهائية من الكائنات والعلاقات ، ولكنها تشترِكُ جميعاً في الوحدة التكوينية ، إنها العلاقة الناظمة ، والتي تُحَدّد الاحتمال الصائب من الفاسِد في كُل علاقة ، بدأً من العلاقات الكُبرى "كالعلاقة بين الكهرَب والجذب الكتلي" وحتى أدق العلاقات وأكثرها هامشية "طريقة توضيب الوسادة بالشكل المُريح" كُلها "تعبيرات وظهورات" محلية مادية ، للقيمة الناظمة للعلاقات في عالم المُجَرَّدات.

قاعدةُ المصفوفة الكونية التي نشأت عن تفاعُل القوى الأربعة الكبرى وما تبعها من ثوابت ، هي تحقيق لتفاعُل عناصِر مصفوفة أكثر كُلية منها ، والتي توصَفُ بتحرّرها من قيد المحل ، فتكون الأرقام في ذلك الوجود ، غيرَ مقترنة بحدثيات وكائنات محلية منفردة ، أي أن الواحد هناك لا يشير إلى قلمٍ فيزيائي أرضي ، والاثنان لا يمكن أن تنحصر قوة معناه بالإشارة إلى شخصان جالسان معاً في مكانٍ محلي بجسدين محليين.

فالمُعادلاتُ التي تنطبق على هذا الواقع المحلي ويُمكِنُ من خلالها حسابُ احتمالات وقوع أحداثٍ محلية ، تغدو هناك تقريباً مُنعدمة المعنى ، بالأحرى ، تبدو كشخص ناظر نحو إصبعك الذي تشير به للقمر ، فإنّ إصبعك موجود للناظر كجسم يعكِسُ نور القمر الذي يضيء إصبعك ، ويضيء الكثير من الأشياء الأُخرى حولك ... لكنّ نفسَ القَمَر لا يتحدّدُ نوره أو ضياؤه بمقادير تحمّل الأجسامِ على الأرض له.

وكذلِكَ المعاني الفيزيائية التي اعتدت التعامُل معها منذ ولادتك ضمن هذا النطاق ، كذلك هي كما الأرقام ، مُقيّدة بمحليتك ومحلية نطاق رصدك الحسي ، ووراء هذا النطاق المُقيد ، يكونُ القَلَمُ والإبريق والحاسوب ، كائناتٍ غيرَ محلية ، زمنها ليس تسلسُلاً من الأحداثِ المحلية ، النقيضين في عالم المحليات شيء ، والنقيضين في عالم التجريد شيءٌ آخر ، ففي عالَمِ المحليات لا يكون نَفسُ الحاسوب في غُرفَتك وفي الغرفة المجاورة بنفس الميقات الزمني ، نعم يُمكنُ أن يكون البرنامجُ نفسُهُ موجوداً في عدة أمكان بنفسِ الميقات للراصد ، لأن البرنامج نوعٌ من التجريد ، ولكنّ حاسوبك الذي يحتوي صورَك ، ورسائلك ومشاريعك وموسيقاك ، والذي تعرّضَ لصدمات لها تواريخ معروفة لك ، والذي تضعُ عليه علامتك الخاصة ، ويحمِلُ بصماتك الخاصة ، وبكامِلِ تكوينه النسيجي بكل ما حواه ، لا يتواجَدُ في مكانين بنفس الميقات.

وإذا حَدَثَ المستحيل وصممت حاسوبين متوافقين تماماً من حيثُ التاريخ والمحتوى والنسيج الحالي ، ووضعتَهُما في مكانين مُختَلِفين ، فإنّ هنالك مقداراً معيّناً ينتهي بعدهُ التشابُه ، لأنّ دخولهما في مكانين مختلفين ، حتى ولو كانا في نفس الغُرفة ، سيجعَلُ كُلّاً منهُما يتفاعَلُ مع مؤثرات مُختلفة قليلاً أو كثيراً ، تجعَلُهُ ينحرف عن النسخة الأصلية ... ومن المستحيل حدوث التطابق التام بين كائنين محليين بالنسبة لراصِدٍ محلي ، ذلك مُستحيل فقط ضمن إطار الفيزياء المحلية ، لكن ليس ضمن إطار "الفيزياء التجريدية".

في عالمٍ مُجرّدٍ عن قيد المَحَل ، ينتَشِرُ الحاسوب العقلي عبر كافّة آفاق الكون المحلي ، بِنفسِ الميقات بالنسبة لراصدٍ غير محلي ، مِثل هذا الكائن المُجَرّد ، يُمكِنُ تحقيقه بتكرار لانهائي من النُسخ المحلية ... إنّه موجودٌ على امتداد الكون المحلي وأينما ذهَبت ، ولكنّ قيود الوقائع المحلية الأخرى التي تحققت ضمن زمَنِكَ ستمنَعُك من الالتفاتِ إلى ذلك ، فالفضاء الهندسي الذي أمامك الآن والذي تسبَحُ فيه يدُك وهذا الكتاب ، هو نفسُه الفضاءُ الذي يَسمَحُ بوجود أي حاسوب من أي نوع ، بل بوجود أي كائنٍ محلي من أيّ نوع ، إنّه القاعدة الهندسية التي يُبنى عليها العالم المحلي الذي أمامك.

لكنّك لا تقيس الفضاء من حيثُ هندسته ، بل مِن حيث محليته ومُحتوياته التي تعرفها ، ولذلك تستنتِجُ البشرية تلك القوانين العاجزة عن فهم ما يَجري حقاً ، الحقيقةُ أنّك تسبَحُ في فضاءِ المعقولات باستمرار ، وهي تُحيطُكَ من كُل جانب ، وهكذا يقوم المُختَرِعُ بكشفِ احتمالٍ ضمن الفضاء الهندسي التجريدي ، ومن ثمّ يحوله لواقعٍ محلي فتنشَأ الاختراعات والتكنولوجيا ، هي نفسُ طريقة الساحر الذي يتخيلُ الحالة السحرية ضمن هذا الفضاء وفق ما تسمَحُ به قوانينه التي استطاع الساحِرُ أن يدركها بعمق أكبر من المخترع ، لأنّه تجرد عن كثيرٍ من القيود التي تفرضها العلوم والواقعية دون أن يعترف بها الفضاء الهندسي ، وبهذا الإدراك ، يُقرر أن يُخرِجَ مكنوناً شريراً ضمن أُفُق الفضاء ، يسميه الشيطان ، ليُحقق له أحداثاً تتناسَبُ مع رَغَباته الشريرة.

خرافات أكاديمية | ما هو المعيار الدقيق في التمييز بينَ العلم والخُرافة ؟

 سأحاول أن لا أنظّر فلسفياً كثيراً وسأضرب لك مثالاً عملياً ، قم أنت باشتقاق التعريف منه :

إن كلاً من الخرافة والعلم ( بالمعنى الذي تقصده ) هما محاولتان لتأويل موضوع معين له معطيات مبهمة ، ومن خلال تظافر التأويلات ، ينشأ "نموذج معرفي عن العالم" ، ليس هناك حقيقة مطلقة في المعرفة البشرية حتى تكون الخرافة ضديدها. ولكن ببساطة ، انظر معي للمثال التالي :

"وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم" ويستتبعها حديث يقول "دابةٌ أُهلُب"

التفكير الخرافي يقوم بتأويل الآية وفقاً للرؤيا التي توفرها الصور التالية :

أو مثلاً يقوم بإسقاط نتائج توصل لها العلم التجريبي الحالي على النص المقدس السابق ، فتُصبح الدابة هي كورونا مثلاً ( أو أي وباء مستقبلي آخر ).

التفكر العلمي يتعامل مع نفس النص ضمن نموذج مَعنوي وتجريدي ، يرُدُّه إلى أصله ضمن نطاق الوجود ، فالدابة هي التي تتصفُ بغَلَبَة الجسَد وغرائزه وقيوده على النفس وتشتيته لانتباه الروح ، ومع الوقت ، تنعكس الدابة على المُستوى الجمعي "كما في آلات الحَرب" وعلى المستوى الكوكبي أيضاً "كما هُوَ موعود".

النص بحد ذاته "مُبهم" وحمّال لملايين الملايين من التفسيرات ( تقريب للانهاية ) ، ولـَـكن ... هنالِكَ تفسيراتٌ لها مُنطلقات دقيقة ثاقبة ، وهُنالِك تفسيرات عشوائية ليس لها دالة ومصفوفة تستندُ عليها ، أي نص مقدس أو حتى مُغرق في الطابع الأدبي أو الفني ، تنطبق عليه هذه القاعدة ، ببساطة لأنه يتكلم عن أشياء غير محددة المعالم ، ليس هناك لُغزٌ في العالم يأتيك مع Guide book ، فما بالك بألغاز ميثولوجية ودينية مِن أعمَق الأزمان  ؟ طريقة تأويلك هي ما سيحدد قيمة الطرح الذي تُقدمه.

إليك أمثلة أخرى :

  • الخرافة تقول : هناك 300000000 إله عند الهندوس[2]وأنهم يعبدون البقر ، الحقيقة كما تصفها CNN[3].
  • الخرافة تقول : لقد بُنيَ هرم خوفو[4] كمقبرة للملك "خوفو" الذي يعد من أقل ملوك مِصر أهمية ، وبوسائل بدائية تشبه وسائل بناء الأكواخ.
  • التفكير الخُرافي هو أن تُجهد نفسك في تأليف كتاب من أكثر من 400 صفحة[5] لكي تُثبت أن الإله هو شاب أمرد موجود في مكان ما في الفضاء ( الذي يعرفونه على أنه السماء ).

يعتمد "التفكير العلمي" على "التجريد" [6] ، إنه أهم من "التجربة" بحد ذاتها ، إنه المَلَكة المعرفية التي المسؤولة عن إدراكك للمفاهيم والعلاقات الرياضية[7] والمنطقية ، ولاحقاً الفيزيائية[8]، وأخيراً الحاسوبية[9].

"التفكير التحشيشي" هو ما يجعل معادلة من نوع E=mc² مجرد لغو لغوي لا يصلح للانطباق إلا على واقعة محددة بعينها ، بينما يَمتنع تعميمه على مجموعة "فئة" ضمن إطار فيزيائي ، أي أنه حتى ضمن مجالها الفيزيائي الافتراضي ، لا معنى لعموميتها ، لأنه لا معنى لها كـ"كليات" و"علاقات" أصلاً. وحتى ولو افترضتم تحقق المستحيل وتجريب هذه المعادلة على كل الحَدثيات الزمكانية ودون الزمكانية ضمن العالم الفيزيائي منذ نشأته وإلى توفيه أو إلى الأبد ، وتوافق جميع هذه النتائج اللانهائية ، فوفقاً لـ"فلسفة العلم التحليلية" ليس هناك معنى لهذه المعادلة ، بمعنى أن الخاصية المميِزة لـ"فئة" تضم مجموعة من العناصر ، غير قابلة للتعميم على هذه العناصر ( حتى ) ولو تحققت في كل عنصر. لأن التعميم ضرب من العِلية المعقولة ، وهم ببساطَة رافضون لأي وجود للمَعقولات رفضاً ابتدائياً دون برهان وتحقيق.

"عندما يقول لك أحدهم : إن كان حبيبك من عسل ، سده واستريح ، وتتخيل حضرتك "برطماناً ضخماً مملوءً بالعسل" وكيفية سده ، فهذا هو التعريف الدقيق لـ"الخرافة" ، لكن عندما تحاول تعميم نتائجك المبهرة وتحوليها إلى "الدالة الوحيدة ذات المعنى" والتي تُلغي كل معنى من إطار دراسة العلم والفلسفة ، بل وحتى تأويل الأدب والدين والانثروبولوجيا وفقاً لذلك السياق ، فهذا هو التعريف الدقيق لـ"التحشيش"[10].

إن الخُرافة ترتبط بالتأويل السطحي للرموز ، سواءً أكانت دينية أم تجريبية ، إنها إحالَة معنى الرمز إلى مستواه الذي ظهر به كرمز ، تماماً كما لا يفهم الأطفال عادة مقصود الأقاويل الجنسية ، تماماً كما لا يفهم الفيزيائيون الكبار مبادئ علمهم الفلسفية ، وتكوين الشيء الفيزيائي.

ولكنّ العناد حذا بأصحابه أن "يرفضوا" بشكل انطلاقي وجود المعنى في الكَون ، ويؤسسوا عليه بنيانهم المعرفي ، ثُمَّ يُلصقوه بالعلم التجريبي ، هذا ليس خرافة ، هذا افتراء وتعصب أعمى ومحاربة لانتشار الحقيقة هذا ، تحشيش.

تحياتي …

_________________

تعليقات :

"التفكير الخرافي يقوم بتأويل الآية (…)".

ما منهجك في تأويل الآيات الدينية؟

"أو مثلاً يقوم بإسقاط نتائج توصل لها العلم التجريبي الحالي على النص المقدس السابق ، فتُصبح الدابة هي كورونا مثلاً ( أو أي وباء مستقبلي آخر )."

في أَحدِ نصوصي الأدبية :

أسقطت فكرة إعدام الناس المبدعة (كتّاب، فلاسفة، علماء …) على حبل المشنقة وفكرة جاذبية الرفاه الذي يؤدي بالمجتمعات للانسحاق الحضاري على الجاذبية؛ طبعا هذا ليس اجتهاد فلسفي تاريخي مِن عندي بل اجتهاد غيري.

" لكن عندما تحاول تعميم نتائجك المبهرة وتحوليها إلى "الدالة الوحيدة ذات المعنى" والتي تُلغي كل معنى من إطار دراسة العلم والفلسفة ، بل وحتى تأويل الأدب والدين والفن والانثروبولوجيا وفقاً لذلك السياق ، فهذا هو التعريف الدقيق ل"التحشيش".

حسب هذا التعريف هل هذا ضرب مِن التحشيش:

التحشيش في جملة: "أضف أن الفلسفة ومواضيع الدراسة المعروفة باسم الإنسانيات ما زالت تدرَّس وكأن داروين لم يولد بعد". -ريتشارد دوكينز (الجينة الأنانيّة).

إذا كان كذلك؛ في رأيك ما الذي يدفع الناس لهذا التحشيش؟ وما المشكلة في هذا التحشيش؟

معذرة على كثرة الأسئلة وعن أي سوء فهم للإجابة. إجاباتك تثيريني فكريا. ممنون لك ^_^

أهلاً وسهلاً بحضرتكم ، لا على العكس ، مرحبٌ بالأسئلة دائماً ( على قدر استطاعتي ).

أرغب أولاً أن أشير إلى أن لفظ "تحشيش" و"خرافة" ليس من باب الإساءة ، بل من باب النقد الساخر ، حيث أنه وبصراحة ففكر الوضعية المنطقية بنموذجه القديم "ابن تيمية" والحديث "مدرسة فيينا ورسالات شباب فتجنشتاين" هو فكرٌ جبار ومؤثر ويستحق كامل الاحترام "كمجهود". وحقيقة استغرقت مني عملية تفكيكه زمناً وجهداً طويلاً ومتعباً وذا نكهة خاصة.

أما بالنسبة لدوكنز ، مع احترامي له ، إلا أن كتبه ( ذات طابع تجاري ) أكثر منها طابعاً نقدياً جاداً ، من يريد فهم عقلية الملحد أو العلموي لا يلجأن إلى تلك الكتب ، لأنها شعبية كثيراً ، بل عليه أن يطلع على : المنهج العلمي والوضعية وكتاب "الإلحاد : تعليل فلسفي" وكتب العبثية والعدمية. لا جدوى كثيرة من نقد فكر دوكنز لأنه موجه نحو غايات غير حوارية أصلاً.

ما يقصده دوكنز هنا ، هو احتجاج منطقي يبدأ من مسلمة التسليم بالعلم المؤسساتي وبنظريات أخرى ، وهو يستخدم "الإيحاء" للقارئ بأنك طالما تسلم معي بهذا فلماذا تنكر ذاك ؟ وهي حجة جدلية تعتمد على المصادرات.

وفق سياق نصّك الجميل : إن "الجاذبية" ترمز للنموذج الكوني الذي يسمح بـ"القتل" أو بالأحرى "الانتخاب الطبيعي" ، أما حبل المشنقة فهو استخدام بشري لهذا النموذج "انتخاب صناعي" وبينهما يتم التفاعل المؤدي إلى القتل ، أي فعل بشري ، فهو من ناحية عقلانية فعلٌ مشترك بين الذات والموضوع.

فلسفة "الفداء" لها وقعٌ خاص على الناس ، لأنها تحرك فيهم رغبتهم الكامنة في التمرد على السلطة الزمنية ، وهي رغبة تسمو فوق كل عقل ممكن ، ولا سبيل إلى اجتثاثها نهائياً ، لذلك تعيش الأفكار التي يتم تقديم الحياة الدنيوية "الرغبات المتصارعة\الأنا المزيفة" في سبيلها ، وتأخذ نكهة المطلق وتعيش في رحابه.

رؤيتك لجاذبية الرفاه ، هي نفس رؤيتي لـ"رغبة الأمان\الثبات\العبودية" التي تتصراع مع رغبة التمرد ، هاتين الرغبتين يتم صياغة أسماء لانهائية لهما ، رغبة الأمان متعلقة مباشرة بالانتخاب الطبيعي.

آمل أن أكون قد أعطيتك ما رغبت به … وأهلاً بك دائماً …

______________________________________________________

 المَصادِر :

[1] Pekigese Head

2]سامي الذيب - 300 مليون إله عند الهندوس

[3] هل يعبد الهندوس 330 إلهاً؟ 5 خرافات عن الهندوس وآلهتهم

[4]A Surprising Result

[[5 بيان تلبيس الجهمية - ويكيبيديا

[6] الموسوعة العربية | التجريد

[7]Facets and Levels of Mathematical Abstraction

[8]Scientific Knowledge and Scientific Abstraction

[9] التجريد (علوم الكمبيوتر)

السبت، مارس 26، 2022

أنت عبد لغرائزك والدماغ أضعف من توقعاتك | أشهرُ الخرافات التي تروج باسم علم النفس الحديث


ما هي بعض الخرافات في علم النفس؟

  • الميول والتفضيلات الجنسية فطرية :

أغلب خرافات الناس خرافات حول الجنس والدافع الجنسي ، وأغلب تلك الخرافات قادِم من "التدينيين" و"التطوريين" ، وياللغرابة ، الاثنان بدآ يصبان في نفس التوجه شيئاً فشيئاً …

وابلٌ من المشاركات المروجة لآراء علم النَفس التطوري بخصوص الدافع الجنسي ، وهو من أكثر النظريات قلة في التغلغُل ضمن التجربة المباشرة للإدراك ، فهو من أكثر النظريات بُعداً عن التجذر في الأصول العلمية والفلسفية.

أحدُ أشهر هذه الآراء ، أن الذكور تجتذبهم مواصفات معينة في أجساد الإناث ، كمحاولة لحفظ النوع بأفضل ما يُمكن ، دون الدخول في التفاصيل المُملة ( التي ستراها على الانترنت في كُل مكان تقريباً ) ، قد غاب عن مروجي هذه الفكرة ، لسبب ما ، محاولة التعمق فيها والإجابة على الأسئلة التالية :

1. ما هو الجهاز الخاص بتوجيه الدافع الجنسي لهذه المواصفات ؟ (يُقال ) أحياناً ، أنه الجينات ، التي تتراكب وتؤثر على طريقة عمل الدماغ … طيب … لماذا تقوم جيناتٌ نشأت بتراكب احتمالي وعشوائي بتبني مثل هذه المعايير النموذجية في خدمة قيمة محددة ؟ لماذا يقوم الدماغ ( المُشبه بالزومبي والروبوت وفقاً للتطور في أغلب الأوساط الرسمية ) بتأطير حركته العشوائية وغريزته المنفتحة على كل الاحتمالات ؟ بكلمة أخرى : لما تَقبل تأثير العقل في عملية الانتخاب الجنسي ، وترفُض مشاركته في المراحل التي تسبقها ، كيف بررت وجود العقل إذن ؟

2. هل ثبُت حقاً أن الدماغ بحُكم تلافيفه وتضاريسه ، وهرموناته ، يوجه السلوك بشكل عام ، والسلوك الجنسي بشكل خاص ؟ لقد ثبُت ذلك في كتب دوكنز والطفرات العلمية الزائفة وبقية الPop-Science

، إلا أن ذلك لم يثبُت لي ، ولكي أُعرفك أكثر بطريقة عمل الدماغ ، فهو شبيه تماماً بالحاسوب ، الأشباك العصبية ، تتقد بفعل الصوديوم والبوتاسيوم (والكلور الموجه من قبلهما) ولا تقوم بأكثر من ذلك ، جميع الخلايا العصبية تعمل بنفس الطريقة تماماً ( اختلافات بسيطة ! ) وفكرة الخرائط الدماغية ، تتعلق بالحواس الخمس والتحكم بالجهاز الحركي ، بحُكم ارتباطات عصبية مباشرة بين تلك الخرائط وبين تلك الأعضاء ، لا أكثر ولا أقل ! أما أنماط الذاكرة والتفكير ، فيمكن لجميع الخلايا الدماغية أن تقوم بهما بنفس القدر من النجاح، وإذا قمتَ الآن بتعريض منطقة من دماغك لضربة كهربائية ، قد تستحث ذكرى معينة عفا عليها الزمان ، ونفس المنطقة ، ستستحث في المرة التالية ذكرى أخرى مختلفة تماماً ولا أيَّ رابط بينهما ، ليس هناك ما يدعو للقول بوجود "تناظر تطابقي" بين الوظائف المعرفية الإدراكية وبين الإجراءات العصبية المحلية ، هذه النظرية تُعرف باسم "الهولوغرام الدماغي" وفي رؤية البروفيسور نورمان دويدج عن اللدونة العصبية ، ستجد أموراً مشابهة وتكملة لما تم ذكره ، ستجد أن الأعمى ( بسبب تخريب منطقة الإبصار في قشرة الدماغ ) يُمكنه أن يستعيد البصر بتدريب المنطقة المجاورة وفقاً لطرقٍ معينة ، وهكذا تم بالفعل علاج حالات كثيرة من ضمنها سيدة لم تستطع يوماً أن تفهم الرياضيات ولا حتى أن تقرأ الساعة ! …

عودة للموضوع الرئيسي ، يشرح علم الرغبة كامل موضوع التفضيلات الجنسية ( بكل أشكالها ) وبطريقة بُرهانية متناغمة مع نفسها ومع الأصول الإدراكية للتجربة الحيوية ، السبب الحقيقي أيها الذكر في ميلك لمواصفات هندسية معينة في الأُنثى ، لا يتعلق بمدى إمكانية حفظ النسل ، حتى ولو كان أحدكما عقيماً لن يختلف الموضوع ، بل يتعلق بأنك ( وأنها ) تريد موضوعاً مناسباً لإشباع رغبتك بالسيادة عليه ، أو بالعبودية نحوه ، ولكي تجد موضوعاً مناسباً ل"تأويلك الخاص لتحقيق رغبتك - الذي تشكل عبر آلاف التجارب التي لا تتعلق بالجنس بشكل مباشر" حينها سيقتنعُ اللاشعور ، أن هذا الموضوع قد حقق الرغبة المطلوبة ، فيكافؤك ببعض المتاع القليل -لو كنتَ تعلم- ، هذا التأويل ، عند أغلب البشر ، يحتاج لموضوع مُشبع بالإمكانات ، وإلا فلا معنى لتحقيق السيادة عليه ( أو العبودية نحوه ) فأنت لا تنجذب نحو الصخور والأنهار جنسياً ليس لأنها لا تمتلك أدوات اتصال جنسي ، بل لأنك لا تفقه وعيها بشكل جيد ، ويراها عقلك غير واعية ، ويحتاج عقلك إلى "موضوع ذو وعي" لكي يُحقق "الاعتراف" وهو "غاية المُراد" من العملية الجنسية.

بدون الاعتراف ، لا تحصل على متعة ، وحتى الدُمى الجنسية ، يحتاج المُجانس لها إلى "تخيل اعترافها" على الأقل ، أما لو تعامل معها وفقاً للمعطى المباشر ودون تدخل العقل الباطن ، فثق تماماً بأن شهوته ستتبدد مباشرة … وبالنسبة للأنثى ، فسيكون اعترافها ذا قيمة أعلى كلما كانت إمكاناتها أعلى ، وسيُفضل الذكر "ما يؤله على أنه إمكانات" على تلك المواصفات الهندسية ، سترى ذلك بوضوح ، عندما تجد الأُنثى التي لا تستطيع بسط سيطرتك عليها واجتذابها ، وستفضلها ( ولو في باطن لديك ) على الأنثى الأكثر فتنةً وإغراءً إذا ما قامت بتقديم نفسها لك على طبق من ذهب.

فأيتها السيدة : أنت لا تحتاجين إلى مواصفات خارجية معينة ، بل إلى إثبات قدرتك التنافسية ( عندما تحاولين جذب شريك لا يؤمن بالخروج عن العقل ) ، عندما يُحس الذكر بأنك موضوع صعب لإشباع رغبته ، سيفعل الكثير للوصول إليك ، بغض النظر عن التفاصيل الأُخرى ( أياً كانت ). هو يحتاج أن يحس ب"اعتراف" وعيك بوعيه، وذلك رغم كونك تمتلكين القدرة على الرفض واختيار الآخر.

لماذا تعطي تلك المواصفات الهندسية إمكانات أعلى للأنثى ؟ المسألة تتعلق ب"مبدأ التناظر" وهو أحد المبادئ الاثناعشر الرئيسية التي توجه خارطة الأزمان والخَلق في الكون.

وهذه عينة من بعض الخُرافات الأخرى :

الإنسان يستخدم كامل دماغه يومياً وليس فقط 10% : 

الإنسان يستخدم فعلاً كامل الدماغ ، لكن أغلب تلك العمليات تتعلق بردود الفعل الانعكاسية ، لا العمليات المراقبة من قبل الإدراك الموضوعي ، إذا رغبت بدقة حقيقية فربما يفيدك أن تقرأ القَبس التالي :

"لكن الحقيقة تبقى هي الحقيقة ، وبالعودة إلى الدماغ ، سيتم التعرف إلى أنه أسرع بثمانمئة مليار مرة من الحاسوب الشخصي الحديث ، وذلك حسب المعادلة التي تقول أن عدد خلايا الدماغ الذي يبلغ حجمه 1.5 كغ ، هو بين 70 و90 مليار خلية[1]، في عدد الوصلات بين كل خلية والخلايا الأخرى وهو 10000 ، في عدد الإشارات الكهربائية لكل وصلة في الثانية وهو 10 ، يساوي عدد الإشارات الكهربائية بين كل الخلايا عبر كل الوصلات خلال ثانية واحدة وهو 8000000000000000 إشارة\ثانية ، وهي استطاعة الدماغ الكاملة ، تماما كما استطاعة الحاسوب الشخصي الكاملة هي بالمتوسط 10000 إشارة كهربائية في الثانية.

وكل من الحاسوب الشخصي والدماغ ، يستخدمان جزءاً صغيراً أو كبيراً من قدرتهما ولا يستخدمان كامل هذه القدرة ، ومع ذلك ، يحتمل أن يكون الدماغ أسرع بكثير من الرقم الذي وضعناه بسبب الطبيعة التركيبية لعمل الدماغ والوصلات العصبية\ فحسب رجورز بنروز ونظرية المعالجة العصبية الكمومية ، فلا حدود تقيد قدرة العالجة الدماغية لأنها تعتمد تقنيات وخوارزميات غير محلية.

رغم كل هذا ، إلا أن الحاسوب الشخصي يستطيع القيام بعملية حسابية لحدود مكونة من عشرات المنازل ، خلال ثوانٍ معدودة ، في حين أكثر الناس عاجزين عن القيام بعملية حسابية من مثل 1444/4 دون مضي أضعاف تلك الفترة السابقة ، وهذا السلوك ليس ذا طبيعة خوارزمية رقمية كما يفترض أن يعمل الدماغ. وسنرى أن ذلك مرده لعاملين أساسيين ، هما النموذج المعرفي الذي تم تصميمه من قبل اللاشعور ، والذي تدخل في عمله عوامل كثيرة مثل المقاومة النفسية والخوف، الإيحاءات ، العقد المعرفية ، وهذا النموذج بدوره يقوم بإدارة عمل العقل والدماغ على حد سواء ، أما العامل الثاني ، هو الوعي الموجه لكل من الدماغ واللاشعور ، والذي يختار نطاق التركيز الذي ينفق عليه الطاقة ، وهذه الأسباب في أن اثنين يملكان مستوى ذكاء شبه متطابق من جميع النواحي وحظيا بنفس مستوى التعليم ، أحدهما مصاب بمتلازمة العبقرية [2]، والآخر لا يستطيع حساب أبسط المعادلات ، حيث سيتضح مع تقدم البحث أن الأسباب في هذا نفسية بحتة ، بل وروحية إلى حد كبير. ومع أن متلازمة العبقرية غالباً ما تتلازم مع إعاقات عقلية ، إلا أن الكثيرين استطاعوا حيازة مثل تلك القدرات دون وجود إعاقة ظاهرة من أي نوع."

قدرة العقاقير والدروغز على حل المشكلات النفسية [3].

وإنني لأتساءل : لماذا يتم التخلي عن "تلك الصروح العظيمة" التي شكلت ذات يومٍ مدارس علم النفس ، التحليل النفسي ، المدرسة الاستبطانية ، المدرسة الترابطية ، الغستالت … يتم رفضها بطرفة عين ، ودون رفة عين ، بكل ما حوته من بنيان مرصوص ، وأناقة منطقية ، ويتم "الترويج" لمدارس نفسية أضعف بكثير ، بل لا تقوى على أن تنهض إلا ضمن دافع سيكولوجي لدى من يتبناها ؟ حقاً ، الحُكم الموضوعي مستحيلٌ على معشر البشر.

الهوامش والمصادر :

[1] The Human Brain in Numbers: A Linearly Scaled-up Primate Brain

[2] Savant syndrome - Wikipedia

[3] لم تعد الحقيقة أولوية.. هكذا تخلت الدراسات العلمية عن أمانتها

السفر عبر الزمن ... وعبور الزمن

 ما معنى أن تُسافِر عبر الزمن ؟

وما الذي ستُحَققه من سفرك ؟

هل تريد أن تذهب برحلة نحو فرنسا في مطلع القرن العشرين ؟ أم تريد أن تزور عصور الأهرامات ؟ ما هو نطاق الزمن أصلاً وما الذي يمكنك تحقيقه من خلال السفر الزمني ؟

أقصى ما يُمكن للمرء أن يطمح له عادة ، أن يعبر حاجز الزمن بينه وبين عصر آخر على نفس الكوكب ، أن يكتشف بعض الأشياء الغريبة ويعاينها ... ويذهب للمستقبل فيرى بعض الأحداث التي تبدو كأنها أمر خارق للطبيعة التي اعتاد العيش في نطاقها. يكون الأمر أشبه بمحاكاة رقمية فيزيائية ، للعبة تسلب كامل قوى إدراكه وانتباهه ...

الآن سافرت عبر الزمن ، وانتقلت إلى منطقة زمنية أُخرى ، بإدراكك ، في بداية تحسسك للواقع الجديد ستشعر ببعض المتعة والراحة النفسية ، لأنك كشفت سراً كونياً جديداً ، وبعد قليل أو كثير ، سيُصبح الأمر مملاً مرة أخرى ، وستعود نفس المشاكل التي تعانيها هنا لكن بطرق أُخرى تتناسب مع مصاديق تلك المُعاناة الزمنية ، ذات الوجه الزمني الجديد.

وبعد مدة وجيزة من الترحال بين الأزمان على هذا الكوكب ، ستمل الكوكب نفسه ، ولكن ما جوهر هذا المَلل الباعث للمرء نحو الرغبة بالاكتشاف ... آكتشاف العناصر الواقعية والزمنية ؟ إنه ثبات هذه العناصر بالنسبة للمرء ، لا تتغير خارطة الزمن ، ويبقى الواقع مُتحجّراً كصخرة على بصره ، وصخرة على سمعه ، وصخرة على عقله ، وصخرة أضخم منهم جميعاً على قلبه ووجدانه.

طوافُكَ في الزّمن ليس مَصدَرَ سعادتك ، بل هو مصدَرُ شقائك ، إنه جهنّم التي تعيشُها كل يوم وتكادُ تتمكّن منك ... لأن رغبة اوعي الحقيقية هي الخلاص من الزمن ، وليس العيشَ فيه ، رغبة الوعي أن يتجاوز حُجُبَ الإدراك المسماة بالمعرفة ، أن يتجاوز الأغلال التي تربِطُ ذاتَهُ وشوقها بالبحث ضمن الواقع الزمني ، أيّاً كان هذا الواقع ، إنه عبور الزمن إلى ما وراء أُفُق الحدث ، ووراء كُلّ الثقوب السوداء والبيضاء والأكوان ... هنالِك الحياةُ الحق ... لمِثل ذلك فلتعملوا.

تتبدّل الوجوه والأقنعة باستمرار ، وتتبدّلُ معها الأحاديث والحكايات ، والأماكن ، لكنّ الذي يبقى حقاً ... رغبة المرء بالجمال ، ذلك الجمالُ الذي يتحرر من حُجُبِ الزّمن ، فلا يرتبِطُ بوقائع وأشخاص ، لأنهم جميعاً قيود ، أزياء مزيفة ، إذا أنت تنظر لجسدهم المادي وهويتهم الزمنية ... الرغبة بما وراء أُفُق الإدراك ، ما وراءَ المُحاكاة والأزياء ، إنها القيمة من كُلّ شيء ، رغبة أن تكون لحياتك القيمة الحق.

فيسعى المرء باستمرار لكسر هذه الصخور ، محاولات بائسة ، بجمع المزيد من المال ، أو الحصول على ترقية في الوظيفة ، تعلم مهارة جديدة ، درجة علمية جديدة ، المزيد من الخطط والطموحات ، كلها تهدف لكسر صخور الواقعية المريرة التي تَحجُب الإدراك نحو مواضيع ثابتة جامدة لا تتغير ، كأغلالٍ أزلية تربط الذات البشرية ، كأغلال تربط حركة الزمن في أعمق أسباب المعاناة في الكون.

يبدو السفرُ عبر الزمن هو الحلّ السحري للخلاص من الأغلال ، حيثُ سيتحيا ما تريد بطوله وعرضه ، سيغدو الزمن مُحاكاة لرغباتك الإرادية ، تسافِر للبلاد التي لطالما حرمت رؤيتها ، وتكتشف أجواء الطبيعة وآفاق الحضارات المندثرة ، وتجوب الأرض طولاً وعرضاً بغير حساب ، لتحقق كل ما تحلُم به ، وتتزوج من ألف شريك دون أن يعلموا بذلك ، وتتذوق كل الأطعمة التي لطالما سمِعتَ بها ... أي إنسانٍ هذا الذي لا يحلم بمثل ذلك ، تلك الجَنّة الدنيوية الموعودة بمزيد من البحوث في الفيزياء أو علوم السحر والهرمسيات.

أي شخصٍ مهما كان قاسياً وعنيداً ، ومهما بلغَ شره وإجرامه ، مستعدٌ أن يتنازل عن كل أخطاءه ليتذوق شيئاً كهذا ... ورُغمَ ذلك ، سيبوء أمله بالفشل والوفاة ... لأنه بعد أن يرى كل أزمنة الأرض للمدة التي يمكنه الصبر عليها ، ويكتشف كل ما يمكنه أن يكتشفه ، سيُدرِكُهُ الملل مرة أُخرى وبقوة أعلى وهجوم أعنف ... فالملل ، لا يتعلّقُ بواقعٍ بحد ذاته ، أو بظروف محلية خاصة ، إنه يتعلّق بالزمن نفسه ، وعلاقتك به ... أيها الذات.

لقد ضعت أيها المرء في غياهب الزمن ، في لحظة ما من وراء هذا الحجاب ... لقد كُنتَ شُعلة نور مُطلقة في حضرة الرحمن ، الملك ، حين كانت السماوات والأرضُ بين يديك ... لقد انحرفت عن مسلكك ورغبت أن تعرف ، تعرف معنى اللامعرفة ، تعرف معنى اللاشيء ، والعدم ، تلك الشجرة الخبيثة ، التي تولد من ثمارها زمنك ... تموت كلّ يوم ، لأنّك لا تنتمي إلى هذا العالم ، ولا إلى هذه الأزمنة كُلّها ... بل إلى الوجدان وصمت الزمان.

إن نفس السبب الذي يدفَعُ المرء لمحبة المعرفة ، هو الذي يدفعه لاختبار أنواع جديدة من اللذة والجنس ، هو الذي يدفعُ لاختبار وقائع جديدة ، إن ما يجعَلُك تبحث عن الرحلات السياحية ، وما يجعَلُ المجرم يبحث عن الضحايا في أوكار الظلام ، وما يجعل الناس يتنافسون على الأموال ، ويبحثون عن الشهرة والسمعة والاحترام الأكاديمي والمواقع الإباحية ، كُلُّهُ ، رغبَةٌ واحدة.

رغبةٌ واحدة هي تلكَ التي جَعلَت شخصاً يغتالُ جون كينيدي ، وشخصاً يغتالُ أسامة بن لادن ... رغبة واحدة ، تجعَلُ شخصاً يكتُبُ كتابَ وهم المعبود ، وآخرَ يكتبُ كتاب وهمِ الإلحاد ... رغبة واحدة تجعلُ شخصاً يُغني الملحمة البوهيمية ، وآخرَ يُغني التايتانك ... تلكَ الرّغبةُ الواحدة ، رَغبةُ كسر حاجز الزمن ، كسر وهم الواقعية ، ليس بسبب الملل من الواقعية ضمن زمن محدد وله شكل محدد ومكان وتاريخ محددين ، بل ، لِأن الواقعية ... لا تتناسَبُ مع فطرة الله في الإنسان ، لا تتناسبُ مع رغبة الإنسان أن يعيش في فضاءٍ محدود ، حتى ولو كانت حدوده هي حدود زمن الكون نفسه ... لأن الكونَ كمحاكاة لرغبة المرء ، يكون مجرّد سجنٍ يأسرُ طاقة الرغبة ضمن مُحاكاة زمنية ، ولكن طاقة الرغبة لا تستوعبها الأزمنة الكونية والفيزيائية المُغلَقَة ، طاقةُ المرء ، ورغبتُه ، هي تجاوُزٌ للمحدود ، حين تغدو اللاحدود حدوداً أيضاً ، لأنها مجرد كثرة في الاحتمالات ، ولكن المرء لا يرغبُ بكثرة كمية في الاحتمالات ، وإنما يرغبُ بالخروج من نطاقِ الاحتمالات نفسه ... ولكن المرء لا يلتفِتُ لحقيقة رغبته بالخروج من نطاق الكون الواقعي ، والمحلي ، الذي يقيده بواقعة معينة ، لذلك ، يُتَرجِمُ هذه الرغبة على أنها رغبة في "المَعرِفة" ... فيطلبُ معارف لا تنتهي ، ويدخُلُ تحدياتٍ لا تنتهي ... ولن تنتهي أبداً ، حتى يتوقَّفَ عن الرغبة في المَعرِفة ، لأنها ليست رغبته الحقيقية ، وليس السفرُ عبر الزمن رغبته الحقيقية ولا تغيير وقائعه الآنية المحلية ، إنما رَغبَتُهُ هي كَسرُ حاجزة الأزمان ... إنّها : عُبر الزمن.

المشاركات الشائعة